adnan.h@almadapaper.net
ما مِنْ عاقل كان سيتوقع ردّة فعل من الحكومة العراقية والطبقة السياسية المتنفّذة في بغداد حيال الاستفتاء الكردستاني أقلّ حدّة ممّا حصل بالفعل، مثلما ليس مِنْ عاقل كان سيتوقع نتيجة للاستفتاء مخالفة للنتيجة المعلنة.
الذين توقّعوا موقفاً متساهلاً من بغداد كانوا واهمين بالتأكيد، فحقّ تقرير المصير لا يؤمن به كلّ الناس، بل إنّ أغلب الناس في بلداننا يناهضون هذا الحقّ، لأنهم يناهضون الحرية أو لا يقبلون بها.
حقّ تقرير المصير يُصبح ناجزاً إمّا بالقوة، وهذا ما حققته معظم بلدان العالم المُستعمَرة في القرن الماضي، أو سلميّاً. التحقّق السلمي أكثر مشقّة وأطول أمداً من تحقّقه بالقوة، فشرطه الرئيس شيوع مفهوم الديمقراطية وترسّخ التقاليد الديمقراطية في المجتمع والدولة ووجود طبقة سياسية ديمقراطية، حاكمة أو معارضة سواء بسواء.
هذا الشرط الجوهري غير متحقِّق في العراق، فالمجتمع العراقي بعربه وكرده وسائر مكوّناته الإثنية، لم يتعرّف طوال حياته على الديمقراطية، والممارسة السياسية الجارية منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق لا تمتُّ بصلة للديمقراطية الحقيقية. حتى العملية الانتخابية المتكرّرة لم تكن أبداً سليمة، فقانون الانتخابات لا يحقّق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، والغشّ والتزوير وشراء الذمم كانت من الممارسات المُعتادة في كل عملية انتخابية، إنْ على صعيد انتخابات مجلس النواب الاتحادي وانتخابات مجالس المحافظات أم على صعيد انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات في إقليم كردستان.
وعلى نفس القدْر من الأهمية، فإن الطبقة السياسية المتنفّذة في بغداد، وهي من قوى الإسلام السياسي، ليست ديمقراطية، بل ربما هي شديدة الكره للديمقراطية مثل سائر القوى والأحزاب الشمولية. هذا واضح من موقفها حيال القوانين المُشرَّعة أو المتعثّر تشريعها، فالحكومات المتعاقبة منذ 2006 ظلّت تقترح قوانين تنحو منحى تقييد الحريات والحقوق، وكثيراً ما كان مجلس النواب يتشدّد أكثر ويَزيد من القيود المفروضة على الحريات والحقوق. وبينما ألزم الدستور بتشريع جملة من القوانين المتعلّقة ببناء الدولة وبتطوير وترسيخ الممارسة الديمقراطية، استخفّت الحكومات ومجلس النواب بأمر سنّ هذه القوانين.
في قلب هذا كلّه كان ممثلو إقليم كردستان في الحكومة والبرلمان، فقد اختاروا على الدوام أن يكونوا في وفاق ووئام مع شركائهم في السلطة من الأحزاب الإسلامية، متقاسمين معهم النفوذ والمال، ولم يُدركوا العلاقة الوثيقة بين الحقوق التي يتطلّع إليها ناخبوهم، بما فيها حق تقرير المصير، وبناء نظام ديمقراطي راسخ في العراق.
الأحزاب الكردستانية اختارت أن تتآلف وتتحالف مع أحزاب الإسلام السياسي، وتدير ظهرها للقوى والشخصيات والمنظّمات الديمقراطية العراقية، مراهنة على ما عُرِف بـ "التحالف الشيعي – الكردي" متوهّمةً أنه سيجلب لها الحقوق. القوى والاحزاب الكردستانية قاطبة لم نلمس منها نشاطاً واضحاً في مجلس النواب من أجل تشريع قوانين بناء الدولة وقوانين إقامة نظام ديمقراطي في البلاد.. لم نلمح أي إشارة منها تدلّ على التعاطف، ناهيكم عن التأييد، لحركات الاحتجاج الشعبي التي تكرّرت وتواصلت على مدى سنوات في بغداد والمدن الأخرى، مطالبةً بإصلاح النظام السياسي وتوفير الخدمات العامة ومكافحة الفساد الإداري والمالي وتحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية مستدامة... هي بنفسها تخلّت عن مكانها ومكانتها التاريخية في قلب الحركة الوطنية العراقية.
أكثر من هذا، تبدّى ممثّلو كردستان العراق في الحكومة الاتحادية والبرلمان الاتحادي وسائر مؤسسات الدولة، على الدوام في صورة المُعين والناصر للطبقة السياسية الفاسدة المتحكِّمة بالأمور في بغداد وسائر مناطق البلاد.
أمّا وقد حصل ما حصل، هل سنشهد الآن الاستدارة المُستحقَّة من هذه الأحزاب؟