TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الاستدارة الكردستانيّة المُستحقَّة

الاستدارة الكردستانيّة المُستحقَّة

نشر في: 3 أكتوبر, 2017: 07:05 م

adnan.h@almadapaper.net

ما مِنْ عاقل كان سيتوقع ردّة فعل من الحكومة العراقية والطبقة السياسية المتنفّذة في بغداد حيال الاستفتاء الكردستاني أقلّ حدّة ممّا حصل بالفعل، مثلما ليس مِنْ عاقل كان سيتوقع نتيجة للاستفتاء مخالفة للنتيجة المعلنة.
الذين توقّعوا موقفاً متساهلاً من بغداد كانوا واهمين بالتأكيد، فحقّ تقرير المصير لا يؤمن به كلّ الناس، بل إنّ أغلب الناس في بلداننا يناهضون هذا الحقّ، لأنهم يناهضون الحرية أو لا يقبلون بها.
حقّ تقرير المصير يُصبح ناجزاً إمّا بالقوة، وهذا ما حققته معظم بلدان العالم المُستعمَرة في القرن الماضي، أو سلميّاً. التحقّق السلمي أكثر مشقّة وأطول أمداً من تحقّقه بالقوة، فشرطه الرئيس شيوع مفهوم الديمقراطية وترسّخ التقاليد الديمقراطية في المجتمع والدولة ووجود طبقة سياسية ديمقراطية، حاكمة أو معارضة سواء بسواء.
هذا الشرط الجوهري غير متحقِّق في العراق، فالمجتمع العراقي بعربه وكرده وسائر مكوّناته الإثنية، لم يتعرّف طوال حياته على الديمقراطية، والممارسة السياسية الجارية منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق لا تمتُّ بصلة للديمقراطية الحقيقية. حتى العملية الانتخابية المتكرّرة  لم تكن أبداً سليمة، فقانون الانتخابات لا يحقّق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، والغشّ والتزوير وشراء الذمم كانت من الممارسات المُعتادة في كل عملية انتخابية، إنْ على صعيد انتخابات مجلس النواب الاتحادي وانتخابات مجالس المحافظات أم على صعيد انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات في إقليم كردستان.
وعلى نفس القدْر من الأهمية، فإن الطبقة السياسية المتنفّذة في بغداد، وهي من قوى الإسلام السياسي، ليست ديمقراطية، بل ربما هي شديدة الكره للديمقراطية مثل سائر القوى والأحزاب الشمولية. هذا واضح من موقفها حيال القوانين المُشرَّعة أو المتعثّر تشريعها، فالحكومات المتعاقبة منذ 2006 ظلّت تقترح قوانين تنحو منحى تقييد الحريات والحقوق، وكثيراً ما كان مجلس النواب يتشدّد أكثر ويَزيد من القيود المفروضة على الحريات والحقوق. وبينما ألزم الدستور بتشريع جملة من القوانين المتعلّقة ببناء الدولة وبتطوير وترسيخ الممارسة الديمقراطية، استخفّت الحكومات ومجلس النواب بأمر سنّ هذه القوانين.
في قلب هذا كلّه كان ممثلو إقليم كردستان في الحكومة والبرلمان، فقد اختاروا على الدوام أن يكونوا في وفاق ووئام مع شركائهم في السلطة من الأحزاب الإسلامية، متقاسمين معهم النفوذ والمال، ولم يُدركوا العلاقة الوثيقة بين الحقوق التي يتطلّع إليها ناخبوهم، بما فيها حق تقرير المصير، وبناء نظام ديمقراطي راسخ في العراق.
الأحزاب الكردستانية اختارت أن تتآلف وتتحالف مع أحزاب الإسلام السياسي، وتدير ظهرها للقوى والشخصيات والمنظّمات الديمقراطية العراقية، مراهنة على ما عُرِف بـ "التحالف الشيعي – الكردي" متوهّمةً أنه سيجلب لها الحقوق. القوى والاحزاب الكردستانية قاطبة لم نلمس منها نشاطاً واضحاً في مجلس النواب من أجل تشريع قوانين بناء الدولة وقوانين إقامة نظام ديمقراطي في البلاد.. لم نلمح أي إشارة منها تدلّ على التعاطف، ناهيكم عن التأييد، لحركات الاحتجاج الشعبي التي تكرّرت وتواصلت على مدى سنوات في بغداد والمدن الأخرى، مطالبةً بإصلاح النظام السياسي وتوفير الخدمات العامة ومكافحة الفساد الإداري والمالي وتحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية مستدامة... هي بنفسها تخلّت عن مكانها ومكانتها التاريخية في قلب الحركة الوطنية العراقية.
أكثر من هذا، تبدّى ممثّلو كردستان العراق في الحكومة الاتحادية والبرلمان الاتحادي وسائر مؤسسات الدولة، على الدوام في صورة المُعين والناصر للطبقة السياسية الفاسدة المتحكِّمة بالأمور في بغداد وسائر مناطق البلاد.
أمّا وقد حصل ما حصل، هل سنشهد الآن الاستدارة المُستحقَّة من هذه الأحزاب؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram