خلف القضبان ... جلست (م) شاردة الذهن تستعيد ذكرياتها المؤلمة منذ أن كانت في الرابعة من عمرها عندما انفصل والدها عن والدتها ... طلقها دون أن ينظر الى ابنته الصغيرة ... ولم يكن هذا السلوك جديدا عليه ... فقد أصبحت عادة لديه أن يتزوج من امرأة ويتركها ليتزوج بأخرى ... تاركاً خلفه العديد من الأبناء ... وكانت والده (م) الزوجة الثانية له ... أنجبت منه (م) ولم تنجب غيرها وطلقها بعد زواج استمر أربع سنوات وتركها ورحل ليتزوج من زوجته الجديدة دون أن يلتفت حتى إلى ابنته الصغرى التي لا ذنب لها ... مرت الأيام والسنين حتى وصلت (م) إلى سن العشر سنوات لتأتي الصدمة الأخرى التي هزت كيانها ... فوالدتها تزوجت هي الأخرى وتركتها وحيدة تعيش بين جدران المنزل بدون رفيق أو شقيق أو احد أفراد الأسرة تشعر معه بالأمان والراحة... وجدت الفتاة نفسها وحيدة... بعدما تركها الجميع... وكأن غلطتها أنها جاءت إلى الحياة ... لم تجد سوى أن تبحث لها عن صديقة تكمل معها الطريق ... خاصة أنها تركت المدرسة وهي في الصف الخامس ابتدائي ... ومن هنا كان طريق الانحراف الذي سلكته (م). فقد تعرفت الى فتاة قريبة منها تدعى (ن) ... كانت تكبرها بعشر سنوات ... استطاعت (ن) أن تجعل (م) تفتح لها قلبها وتروي لها عن مأساتها التي تعيش فيها ... ومرت الأيام وبدأت (ن) تتردد كثيرا على بيت (م) والتي تعيش فيه مع جدتها الكبيرة السن وتقربت إليها وأصبحت (ن) تشغل كل وقت وفكر (م) ... تذكرت أول يوم سقوطها ... استمرت الدموع من عينيها وبدأت تسرد لي أول يوم وكيف عاشت هذا اليوم؟ كانت تجلس في البيت وحدها عندما جاءت إليها صديقتها (ن) وطرقت الباب ... وعندما فتحته وجدت أمامها صديقتها (ن) وبصحبتها شابان أنيقان يقفان خلفها بخطوات... أسرعت (ن) تجذب يد (م) إلى خارج البيت وطلبت منها أن تصعد معها بسيارتهم الأنيقة.. وبداخل السيارة أخذت (م) تسأل عن الشابين لتجيبها (ن) أنها يجب أن تعرف انه ليس هناك من يسأل عنها ولن تجد من ينفق عليها... ومن هنا لا بد أن يعملا معا حتى يجدا ما يكفي لسد الرمق ... وأخذت تطمئنها قائلة إنها مجرد ليلة واحدة وساعات قليلة تقضيها مع شاب تلاطفه وتحقق رغباته وتأخذ مقابل ذلك مئات الدولارات... وبالفعل اقتنعت الفتاة الصغيرة وخرجت لتقضي أول ساعات الخطيئة في شقة معدة لذلك من قبل الشابين وبعد أن قضيا معها ساعات النشوة أوصلاهما إلى بيتها في ساعة متأخرة من الليل وفي حقيبتها مائة ألف دينار! وكان هذا أول مبلغ تمسكه الفتاة في يديها ما جعلها توافق على الخروج مع صديقتها كل مساء! وبدأت الفتاة الصغيرة تعرف أشياء لم يتخيلها عقل في مثل سنها في عالم الجنس والليل ... بل أخذت (م) تعرف طريق الملاهي مع صديقتها (ن) لاستقطاب الزبائن واختيارهم والاتفاق معهم بنفسها على المبلغ الذي يعطوها إياه مقابل الليلة التي يقضيها معها ! وتوالت الليالي وكثرت وأصبحت الصغيرة كما يطلقون عليها في الملاهي.. أستاذة في عالم الجنس! .. كل هذه السنوات لم تجد فيها (م) الرقيب او الأم او الشقيق الذي يقف بجانبها أو ينصحها.. لكن ضاعت في طريق الرذيلة الذي ليس به عودة!
لحظات ندم مرت على الفتاة وهي تتذكر كل هذه الأيام التي مرت عليها ضائعة... خاصة عندما تذكرت أول مرة تم إلقاء القبض عليها بينما كانت في أحضان شاب في شقة في بغداد الجديدة! لتجد رجال الشرطة فوقهما! مرت عليها شهور خلف القضبان تقضيها لتخرج بعدها الى الشارع مرة أخرى... وتعود إلى حياتها مرة أخرى وصديقتها (ن) التي استطاعت أن تجذبها مرة أخرى الى طريق الملاهي والجنس الرخيص... فكرت (م) في الابتعاد عن هذا الطريق كثيرا إلا أنها فشلت في تحقيق هذا الهدف بسبب (ن) تلك الفتاة الشيطانة التي استطاعت أن تجذبها وتقنعها بان تستمر في بيع جسدها لمن يدفع أكثر! أيام عديدة ولا تزال الفتاة بعد وفاة جدتها تعيش بمفردها في المنزل.. والدتها تأتي لزيارتها مرة او مرتين كل أسبوع وترمي إليها حفنة من الدنانير ... دنانير قليلة وترحل إلى بيت زوجها الذي أنجبت منه ثلاثة أطفال.. استطاعوا أن يجذبوا انتباهها ويأخذوها حتى من ابنتها (م) كل هذه الأسباب كانت سببا في ان تجعل (م) تستمر في حياة الضياع التي تعيش فيها ... فمن يقف إلى جانبها خاصة بعد ان حاولت ان تعيش مع والدها او حتى والدتها ... لكنها في كلتا الحالتين كانت تعود الى منزلها القديم مرة أخرى لتعيش بمفردها .. بعدما تجد الرفض من زوجة الاب او من زوج الام !.. ليالي طويلة قضتها (م) ابنه الـ(17) سنة تنتقل من رجل الى اخر ومن عشيق الى اخر ... لتأخذ كل ساعة المبلغ المادي الذي يساعدها على مواجهة صعوبات الحياة ... وداخل إحدى الشقق في حي المنصور كان القبض على (م) بتهمة السرقة والسمسرة على الفتيات الصغيرات! حملت أوراق القضية مفاجآت كثيرة ومثيرة لضابط تحقيق الأحداث حول مأساة الطفلة (م) أمام ضابط التحقيق وقفت (م) تروي ماساتها بدموع الندم قائلة: حاولت أن أجد الفرصة لأعيش حياة كريمة مع والدي.. إلا أن زوجته الرابعة قامت بتعذيبي وكي النار بجسمي مما جعلني اهرب منها... كما حاولت ان أعيش مع والدتي الا أنني وجدت أسوأ معاملة من زوجها الذي حاول اغتصابي أكثر من مرة! وحاول تقييدي لكوني امتنعت عنه! كنت أتمنى ان أعيش حياة شريفة ... لقد أصبحت الآن مجرد فتاة ساقطة تبيع جسدها فوق كل فراش لمن يدفع أكثر! وأكملت كلامها لي ... لم يكن السبب في أخلاقي وانما السبب في أسرتي التي أطاحت بأحلامي وسقطت بسببهم في هذا الوحل!
ناس تنام على جربايه.. وناس تتلكه البلايه
نشر في: 4 نوفمبر, 2012: 08:00 م