يخترل شريط "مصور بغداد"، الفائز بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان الجونة الأخير، للشاب مجد حميد أطناناً من الكلمات. ما يقوله لماح، تكفيه الإشارة، مكثف، يبتعد عن الثرثرة وعبر تسلسل صوري يستدعى معاني ذكريات عزيزة وقاسية. في ثلاث دقائق يوثّق هذا الشاب الو
يخترل شريط "مصور بغداد"، الفائز بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان الجونة الأخير، للشاب مجد حميد أطناناً من الكلمات. ما يقوله لماح، تكفيه الإشارة، مكثف، يبتعد عن الثرثرة وعبر تسلسل صوري يستدعى معاني ذكريات عزيزة وقاسية. في ثلاث دقائق يوثّق هذا الشاب الواعد حكايته، والتي هي في حقيقتها حكاية أجيال، دون تكلّف وعبر سرد صوري بليغ في بنائه الفني. ذلك عندما تسجل عدسة الكاميرا من يقف أمامها، شخصاً او منظراً، ينبغي لها أن تقتنص "لحظة ما". والـ"لحظة ما" هي مفتاح ما يمنح الصورة/ اللقطة قيمتها الفنية وما تختزنه وتخفيه وراء ظاهرها. في تتابع صوري تترسم معالم الصورة الأكبر وفي بلد يخاف مواطنه من الصورة، إذ هي قرينة الوثيقة الرسمية، دفتر نفوس، خدمة عسكرية، شهادة تخرج أو وكالة. إلا ما نراه فيما هو مثبت من وجوه على السطوح المعروضة أمامنا يلغي ذلك الخوف، إذ تبدو تلك الصور وكأنها تتطلع نحو أمل ما وترتسم على ملامحها بسمات سعادة غير خافية. عبر كاميرا ثابتة ولقطات متوسطة نتابع مهمة مصور يقتنص صورة الجد وزوجته، ثم الأبن والحفيد وزوجته وتتكرر الوقفات المتطلعة نحو المستقبل بما يحمله من وعود. في سياق هذا التتابع ثمة لحظتان دراماتيكيتان في هذا الشريط، الأولى حين يتحول جدار الحائط الى سارد لقصص
وجوه غائبة وحاضرة، والثانية ارتداء الملابس العسكرية بما يحمله من معانٍ سود. شريط "مصور بغداد" يسرد دورة حياة لا تكف عن تكرار سيناريو جيل/ أجيال غيّبت ذاكرته / ولم يذق طعم الحياة ومباهجها. نجح الشاب مجد حميد وطاقم شريطه من الممثلين والفنيين في صياغة سردية بصرية باهرة غيّبها الإعلام والتسارع اليومي للأحداث في بلاد العجائب.