ربع قرن على غياب أهم روّاد الموجة الفرنسية الجديدة فرانسوا تروفو.. الذي نحت بالصخر أهم مبادئ هذه السينما، التي ستكون دليلاً لأجيال من السينمائيين.
فرانسوا تروفو (1932-1984) الذي يحتفل به عشّاق السينما هذه الأيام، مخرج ومنتج وممثل وكاتب سيناريو وناقد سينمائي فرنسي.. وضع اللبنة الأولى لهذا التيار الجارف في السينما من خلال فيلمه (400 ضربة) الذي قدمه بعد ثلاثة أفلام هي (الزيارة) و(الصناع الفوضويون) و(حكاية واتر).. فقد كان 400 ضربة الإشارة الأولى لانطلاق تيار السينما الجديدة .
كان بالفعل سلسلة من الضربات لحياة تروفو والاساليب البلية للسينما الفرنسية... لقد رفع هذا الفيلم من شأن الموجة الجديدة ظهرت في فرنسا أسسها مجموعة من المخرجين الشباب فرانسوا وغودارد وزملائهما، وكان هدف الموجة هو صناعة الفيلم بطرق جديدة لإخراج فيلم بميزانية بسيطة ونبذ أفكار الأفلام الكلاسيكية. لقد تأثرت الموجة الجديدة بعدد من المخرجين الاميركيين: ألفرد هيتشكوك واورسن ويلز وغيرهما. فضلاً عن اعتمادها على أفلام شكّلت مرجعاً لهذا التيار السينمائي ومنها المواطن كين ومتمرد بلا قضية وعناقيد الغضب وغيرها من الأفلام العظيمة.
تدور قصة الفيلم عن مراهق اسمه أنطون دونيل - يؤدي دوره جان بيير ليود - يقع في المتاعب تباعاً بسبب سوء الفهم من قبل منزله متمثلاً في والدته المشغولة عنه وزوجها العطوف ولكن الساذج أيضاً، ومعلمه المتحامل في المدرسة، الذي لا يكلف نفسه عناء سؤاله عما يفعله، بحكم نظام التعليم أو بحكم شخصيته المُستفَزة، كل أولئك وبتغذية سلبية راجعة بينهما، يدفعونه لمحاولة الهروب مرة بعد أخرى، رغم محاولته أن يكون طالباً مجدّاً في سحابة صيف من مراهقته، لكن اتهامه بانتحال شعر لبلزاك، يجعله يهرب مرة أخرى وأخيرة، وليقرر أبواه أن يبلغا عليه الشرطة التي تعتقله وتضعه في السجن بجوار اللصوص والبغايا، ثم يتم تحويله إلى إصلاحية للأحداث.
أنطون يقرر الهروب من الإصلاحية، ليجد نفسه على شاطئ البحر الذي لم يسبق له أن شاهده، البحر والبر، الطفل والشاب والانتقال بين عالمين لا حدود لهما، ولا مظاهر يمكن أن تساعده حيرته في استكشافها، رغم كل الأوهام التي حاولت المدينة أن تجعلنا نظن أنها منحته شيئاً من الرجولة المبكرة، ربما مشهد مقابلة الإخصائية الاجتماعية يجعلنا ندرك مدى براءة هذا الطفل رغم كل التلوث من حوله، ذلك الكم الهائل من القسوة في مدينة رقيقة مثل باريس، في فيلم لا يحاول مخرجه أن يخبئ حبّه الدفين لها، لأنه كما قررنا مسبقاً فيلم يشبه مخرجه.
كشف الفيلم هوية المخرج الذي تميّز بتمرده على تقاليد السينما الفرنسية، محدثاً بذلك ضجة عارمة، لينال الفيلم جائزة كان ويكون مفاجأة لجمهور المهرجان. حيث كان فوز تروفو الشاب اليافع على حساب عدد من أهم مخرجي السينما حينها، امثال ومارسيل كاموس، و جورج ستيفنز.
أخرج تروفو أكثر من خمسة وعشرين فيلماً، كما مثل في اكثر من عشرة أفلام، ونال العديد من الجوائز، فإضافة الى جائزة مهرجان كان عن فيلمه 400 ضربة، نال عام 1974 أوسكار افضل فيلم اجنبي (ليلة امريكية) والذي نال عنه أيضاً جائزة البافتا وجائزة الاكاديمية البريطانية، كما نال جائزة السيزار عن فيلم المترو الأخير.
تروفو بعد "400 ضربة"
[post-views]
نشر في: 4 أكتوبر, 2017: 04:11 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...