التعامل الساخر مع الوضع الراهن في الأدب القصصي العراقي يكاد يكون الأندر قياساً بالشعر، فن الكاريكاتير، المسرح.. وغيرهما من الفنون.. في الكتابة القصصية الساخرة التي دأب عليها "علي السوداني" تعد ظاهرة تمتاز بالنقد البناء، هناك جملة عوامل اجتماعية وسياس
التعامل الساخر مع الوضع الراهن في الأدب القصصي العراقي يكاد يكون الأندر قياساً بالشعر، فن الكاريكاتير، المسرح.. وغيرهما من الفنون.. في الكتابة القصصية الساخرة التي دأب عليها "علي السوداني" تعد ظاهرة تمتاز بالنقد البناء، هناك جملة عوامل اجتماعية وسياسية يضمنها في قصصه، لعلَّ الفاقة، ومخزون الألم، وقسوة الجلاد، وصعوبة الحياة، مع حبه للقراءة، والثقافة ، والسينما، والحانة.
جعلت من شخصية الأديب "علي السوداني" تتطبع بطابع السخرية والتهكم بالكتابة القصصية، أو العمود السياسي ، المحاولة الأقرب لنبض القلب لدى كثير من القراء والمتلقين، وأرى إنه الفن الأصعب، كتبت عن سخرية أحمد مطر الشعرية بلافتاته "أحمد مطر سوط على رؤوس الطغاة" مع ذكر لأهم الأدباء الذين عالجوا المواقف الاجتماعية، والسياسية بصورة تهكمية من برنادشو إلى زكريا تامر، لكن المبدع "علي السوداني" الذي كرّس جهده بالمكاتيب التي أتابعها بالزمان، وبصفحته بالتواصل الاجتماعي، أو بحواراته، ليس بالضرورة اتفق معه تماماً، هناك ما أختلف معه برأيه .
بكتابه (باص أبي تستوقفه مارلين مونرو) الصادر عن دار دجلة /2016 ط1 ب295 صفحة.. حشد فيه مقالات تعجّ بالألم، والسخرية، حكواتي يفضح بقصصه الواقع المؤلم، قصصه مستلة من الأسى العراقي يضيف له نكهته بالسخرية السوداء، تلك القصص العراقية النابعة من أتون الحرائق لعقود يبثها بثنايا القص، الحب الحرب الفاقة التخمة ثنائية التضاد.. فقد تميّز بالتمرد، والصعلكة، والدفاع عن المهمشين، المقموعين، تجده ساخطاً ناقماً فاضحاً الزيف السياسي، أرى بقلمه ثمّة بكاء من فرط الضحك، وفي الوقت ذاته، تضحك من فرط الألم الذي يتميز به . فتلك هي الكوميديا السوداء التي تعري الزيف والضحك على الذقون، و الكتابة لديه تمثل الهاجس بكشف الأخطاء، وتحد من الفساد بطريقة أدبية محببة لدى القراء، لغته تتفرد بأنها تبتعد عن التهريج ..وبذاءة الألفاظ.. إلا على من يستحقها من سراق المال، وقوت الفقراء، والمساومين على بيع الأوطان، تراه ينزل سوطه على ظهورهم ووجوههم، وتلك السخرية الواعية التي تحمل في طياتها المعنى العميق بتعريف فضائح الساسة، قاموسه بلعنة كل فاسد تجعله لايرفع رأسه لقراءة ما يدوّنه علي السوداني، والعمق بالتحليل عن المحتلين لأرض العرب، والبعد الثالث "للسوداني" الغوص فيما وراء الأحداث وليس سطحيتها.. أكثر من 60 مقالاً، وقراءةً بموضوعاته المختلفة بهذا السفر الجميّل، السخرية الجادة..الهادفة ..فالكتاب ليس السخرية لأجل الضحك؛ بل كتاباته ضاجة بالوطنية، ووجع الكتابة الهادفة، الغاضبة، المرّة، السخرية السوداء، القصف السوداني على من ساهم بالخراب، والفاقة، ليجعلها البلد الأكثر فساداً بالعالم بسرقاته، الكتاب انتفاضة. .وصرخة وطنية .. مجتزاً في ص19 من عنونة الكتاب وعتبته وضع السوداني (باص أبي تسوقُهُ مارلين مونرو) بمقدمة موضوعاته:
(سأفترض ُ أنَّ عمري أوانها، كان سبع سنين، سأفترض ُ أنَّ يديّ الغضة، قد تعرّفت بيمين أبي السائر بي، صوب الباب الشرقي من أعمال وأطيان بغداد العباسية. سأفترض أنني لم أكن على منام وغطيط أحلم. سأفترض أنني كنت على مقعد الثاني الابتدائي .سأفترض أنني لم أكن ألثغ السين . ولا ألحنُ بلا مٍتقعد بفرجة نون . سأفترض أن الفلس الأحمر، مازال عزيزاً. سأفترض أنني وصلت ُ وأبي، الباب الشرقي من الحاضرة الذهبية البديعة، بوساطة باص مصلحة. أعني مصلحة نقل الركّاب، المشهورة بهذا المسمّى الرحيم ......) نسق الكتابة بالكتاب اتسم بالمعالجلات الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، استحضار سيرته الذاتية وذكرياته في بغداد ، وأنت تقرأ الكتاب كأنك تشرب فنجان قهوة بلهفة لِتستريح من العناء اليومي، والصدمات التي تواجهها من ضغوط حيواتنا التي لم تعد تطاق بسبب الأزمات المتوالية..