تمَّ حجزه لمدة عامين بقضية ملفّقة، وقطعوا راتبه، وتم فصله من وظيفته وهو في المعتقل، وحين برأته المحكمة وأفرجت عنه، لم يتمكن من الحصول على حكم قضائي برد الاعتبار ومحاسبة من تسبّبوا بضرره وسلبوا حريته، لا بل حتى دائرته رفضت إعادته الى الخدمة رغم المراج
تمَّ حجزه لمدة عامين بقضية ملفّقة، وقطعوا راتبه، وتم فصله من وظيفته وهو في المعتقل، وحين برأته المحكمة وأفرجت عنه، لم يتمكن من الحصول على حكم قضائي برد الاعتبار ومحاسبة من تسبّبوا بضرره وسلبوا حريته، لا بل حتى دائرته رفضت إعادته الى الخدمة رغم المراجعات المتكررة. ويتساءل المواطن غسان علي الازيرجاوي وهو يروي جانباً من معاناته في مراكز الاحتجاز (من يرد الاعتبار للمتهم بعد ثبوت براءته)؟ فمجلس قيادة الثورة (المنحل) قد ألغى قانون رد الاعتبار قبل نحو 40 عاماً، ولم يعمل المشرّع العراقي على إعادة العمل به حتى الآن، لتبقى سنين المتهم (البريء) تذهب سدىً .
خسارات ولا تعويض
الأزيرجاوي 40 عاماً، وهو يروي جانباً من تفاصيل اعتقاله ومحاولاته لردّ الاعتبار بعد ثبوت براءته، تم حجزي عام 2007، لمدة عامين في قضية (4 إرهاب) ملفّقة اعتمدت على شهادة شهود سريين. متابعاً: وقد برأتني المحكمة بعد أن قضيت كل هذه المدة معتقلاً في مركز احتجاز متواضع جداً، مشيراً الى أنه، تعرض خلال مدة حجزه، للكثير من الأذى والخسائر المادية والمعنوية، حيث تم قطع راتبه ومن ثم فصله من وظيفته، حيث كان يعمل حارساً قضائياً في محكمة استئناف ذي قار، فضلاً عن الخسائر الاجتماعية.
وأضاف الازيرجاوي: تصور حتى الدائرة التي كنت اعمل فيها، رفضت إعادتي للخدمة رغم كل المراجعات ورغم ثبوت براءتي ورغم علم دائرتي إني تعرضت للظلم والأذى في قضية ملفّقة. مؤكداً إنه لم يتم إعادة حقوقه بعد ثبوت براءته ولم يتلق أي تعويض أو اعادة اعتبار على ما لحقه من أذى وسلب للحرية من دون وجه حق. مشيراً الى أنه غير قادر على استرداد حقوقه والعودة الى وظيفته والحصول على تعويض مناسب عن خسائره بسبب عدم وجود قانون لرد الاعتبار للمتهم بعد ثبوت براءته.
وشدد المواطن المُطلق سراحه بعد سجن سنتين: على أهمية إعادة العمل بقانون رد الاعتبار ليتمكن هو والآلاف من ضحايا الدعاوى الكيدية والملفّقة الذين تعرضوا للحجز والاعتقال دون وجه حق من استرداد حقوقهم والشعور بأن العدالة موجودة في هذا البلد.
وكان مجلس قيادة الثورة (المنحل) قد قرر في الـ 30 من تشرين الثاني 1978، الغاء قانون رد الاعتبار رقم 3 لسنة 1967 بموجب قرار يحمل الرقم 997 لسنة 1978.
قانون يقتدى به
وحول تداعيات الغاء قانون رد الاعتبار الاجتماعية والمعنوية بيّن المحامي عمار حميد العتابي في حديثه لـ(المدى) إنّ قانون رد الاعتبار كان من القوانين العراقية الرائدة، وهو من اوائل القوانين العربية في هذا المجال، وقد تم إلغاؤه من قبل مجلس قيادة الثورة (المنحل) في عهد النظام السابق. مضيفاً إن، الكثير من التشريعات العربية المقارنة كانت تعتبر قانون رد الاعتبار العراقي مثلاً يقتدى به. مؤكداً إن، الغاء قانون رد الاعتبار يمثل نقصاً تشريعياً في القوانين العراقية .
وأشار العتابي الى: أنَّ الدعاوى الكيدية تسبّبت بتوقيف واحتجاز الكثير من المتهمين لسنوات عدّة، وبعد ثبوت براءتهم، لم يتم تعويضهم عن المدة التي قضوها بالاحتجاز ولم يتم رد الاعتبار لهم بعد إلغاء هذا القانون. مشدداً: على اهمية أن يتحمل المتسبب بالضرر سواء كان (المشتكي) في الدعاوى الكيدية أو المخبر السري أو الدولة مسؤولية الضرر الذي لحق بالمتهم البريء .منوهاً الى أن، الكثير من المواطنين جرى اعتقالهم وحجزهم لعدّة سنوات من دون أن يجري لهم رد الاعتبار سوى من الناحيتين المادية أو المعنوية.
ودعا المحامي الى: تشريع قانون رد اعتبار جديد يتناسب مع المتغيرات الاجتماعية والقانونية وينصف ضحايا الدعاوى الكيدية وشهود الزور والمخبرين السريين الذين يقدمون المعلومات المظللة للعدالة
ومن جانبه يقول المحامي عبد المحسن حسن محسن لـ(المدى) إن محاولات رد الاعتبار للمتهم في حال ثبوت براءته للأسف تبوء بالفشل، نتيجة الغاء قانون رد الاعتبار . مبيناً أنَّ الشخص الذي تثبت براءته من التهمة المنسوبة له لا يستطيع أن يقيم دعوى ويطلب التعويض من الجهة الحكومية التي اعتقلته لشهر أو شهرين أو لعدّة اشهر رغم ما لحقته من أضرار معنوية ومادية بسبب التوقيف على ذمة القضية المرفوعة ضده. مضيفاً إنّ، القضاء يضطر لحجز المتهم لحين التوصل للحقيقة من خلال استكمال الإجراءات التحقيقية.
ونوّه محسن الى: أن المحاكم ليس بمقدورها رفض أي دعوى يتقدم بها المشتكي، وإن مهمتها هي اجراء التحقيق في تلك الدعاوى والفصل بين أطراف القضية.
القانون المدني هو البديل
وبدوره قال رئيس محكمة استئناف ذي قار الأتحادية القاضي محمد حيدر حسين لـ(المدى) إنَّ قانون العقوبات العراقي كان يتضمن قانون رد الاعتبار رقم 3 لسنة 1967 إلا أن هذا القانون إلغي بقرار رقم 997 في 30 تشرين الثاني 1978 ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 2667 لسنة 1978. مردفاً: إن هذا القانون كان يعيد الاعتبار للشخص المتهم الذي يحكم له بالبراءة أو الافراج من خلال مقاضاة الأشخاص الذين تسببوا بإلحاق الضرر به عبر قضايا وتهم كيدية. مبيناً إن، الغاء قانون رد الاعتبار لا يعني انه لا يوجد قانون يحمي المواطن من الضرر الذي يطاله من الدعاوى الكيدية.
وأكد حسين: إن النصوص القانونية العامّة التي تحكم قواعد القانون المدني العراقي تتضمن مواد قانونية تنصّ على أن من استخدم حقه بصورة غير مشروعة استوجب عليه الضمان، وبالتالي إن القانون المدني هو الضامن لحق الشخص المتضرر رغم الغاء قانون رد الاعتبار. متابعاً: إن القانون المدني يكفل استخدام الحق للفرد العراقي بشرط أن يكون هذا الاستخدام بصورة مشروعة، وأن لا يتسبب بأضرار للآخرين. مؤكداً إن الاستخدام غير المشروع لحقّ المقاضاة يُشكل جريمة بحق الآخرين.
وبيّن رئيس محكمة استئناف ذي قار الاتحادية: أنّ استخدام الحق بالمقاضاة جائز ومتاح للجميع، غير أن الشخص الذي يستخدم هذا الحق بصورة غير جائزة يتوجب عليه الضمان، ويستطيع الشخص المتضرر أن يقاضيه. مستطرداً: إنّ القضاء يجب أن يكون ساحة لإحقاق الحق، وأن يكون بعيداً عن المهاترات والشكاوى الكيدية. مؤكداً إن، ابواب القضاء مفتوحة امام أي مواطن والمحاكم تنظر في أي شكوى يتقدم بها ، والشخص الذي تثبت براءته يمكن أن يقاضي من تسبّبوا له بالضرر.
وأشار حسين الى: أن المحاكم العراقية وبخاصة محكمة التمييز، سبق وأن أصدرت العديد من القرارات التي ردّت الاعتبار لمواطنين ثبتت براءتهم من التهم المنسوبة إليهم وحكمت لهم بالتعويض نتيجة الاستخدام السيئ من قبل المشتكي وفق أحكام القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 وضمن قواعد استخدام الحق. مؤكداً: استقبال محكمة استئناف ذي قار الاتحادية والمحاكم العراقية الأخرى، العديد من قضايا رد الاعتبار وإن بعضها تم حسمها والبعض الآخر، قيد النظر امام المحاكم المذكورة. لافتاً الى أنّ المتهم المتضرر من الدعاوى الكيدية والذي يثبت القضاء براءته يمكن أن تحكم له المحكمة بالتعويض في حال تقدم للقضاء بشكوى يطالب فيها برد الاعتبار ممن تسبب له بالضرر.
إلغاء قانون رائد
وتنص المادة أولاً من قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل رقم 997 لسنة 1978 والخاص بإلغاء قانون رد الاعتبار على: (يلغى قانون رد الاعتبار رقم 3 لسنة 1967 المعدل كما تلغى المواد من 342 الى 351 من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل ويلغى كذلك كل نص يشترط لاستعادة المحكوم عليه الحقوق والمزايا، رد الاعتبار أينما ورد في القوانين والأنظمة. ( في ما تشير المادة 3 من قانون رد الاعتبار رقم 3 لسنة 1967 الى أن: أ – يرد بقرار قضائي اعتبار المحكوم عليه عند توافر الشروط التالية:-
1- أن تكون العقوبة قد نفذت أو اسقطت عنه قانوناً .
2- نفذ ما عليه من التزامات مالية للمحكوم له أو قام بإجراء تسوية عنها.
3- رد اعتباره التجاري اذا كان محكوماً عن جريمة إفلاس.
4- أحسن سلوكه داخل السجن وبعد خروجه منه مدة لا تقل عن:-
أولاً : أربع سنوات اذا كان محكوماً عن جناية مخلة بالشرف حدها الأقصى يزيد على سبع سنوات.
ثانياً : سنتين اذا كان محكوماً عن جناية مخلة بالشرف حدها الاقصى سبع سنوات أو عن جنحة مخلة به .
ثالثا : سنتين اذا كان محكوماً عن جناية غير مخلة بالشرف حدّها الأقصى يزيد على سبع سنوات .
رابعاً : سنة واحدة اذا كان محكوماً عن جناية غير مخلة بالشرف حدّها الأقصى سبع سنوات .
وتضاعف المدد المبينة في الفقرات المتقدمة في حالة العود .
ب – تبدأ المدد المبينة في الفقرات المتقدمة بالنسبة للمحكوم عليهم بغرامة من يوم دفعها أو من يوم انتهاء الحبس البلدي عنها .
ج – يرد بقرار قضائي اعتبار المحكوم الذي صدر عفو خاص عنه سواء عن كل العقوبة أو الجزء الباقي منها دون التقيد بالشروط الاخرى على أن يكون قد أدى ما عليه من التزامات مالية أو أجرى تسوية عنها. ويسرى حكم هذه الفقرة على الماضي لمن اعتبرت جرائمهم عادية .يرد بقرار قضائي اعتبار العسكري المحكوم بعقوبة الطرد بعد مضي سنة واحدة اذا كان الحكم عن جريمة سياسية سواء نفذت العقوبة أو سقطت عنه قانوناً.
جلسة تصالح تتحول إلى "خطوبة"
وكانت اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي كشفت، في 18 من شباط 2016، عن وجود نحو 30 ألف معتقل في السجون العراقية بينهم 12 ألف معتقل بتهم "إرهابية"، وأكدت أن 5000 معتقل فقط سيشملون بقانون العفو العام، وفيما أشارت إلى أن الصيغة الحالية للقانون "لا تلبي الطموح"، لفتت الى وجود 600 مخبر سري "اخبارهم غير صحيحة".
وكان أعضاء في اللجنة القانونية البرلمانية، طالبوا في (26 من كانون الاول 2015) بإعادة النظر بالأحكام التي أصدرها القضاء العراقي اعتماداً على إفادات "المخبر السري".
حسن هادي أحد الشباب الذين قضوا اكثر من سنة في سجن الاحتجاز بدعوى تبيّن فيما بعد أنها كيدية نتيجة خلاف مع أحد أصدقائه الذي يرتبط بعلاقات مع أحد الضباط، حيث تم تدبير وتلفيق التهمة الذي استمر التحقيق بها والمماطلة بضعة أشهر، وبعد تدخلات عشائرية تم تقديم الدعوى الى القضاء الذي أمر بإطلاق سراح حسن بعد ثبوت بطلان الشكوى المرفوعة ضده..
وبسبب غياب قانون رد الاعتبار وسيادة الأعراف العشائرية والاجتماعية، لجأ العديد من الموقوفين والمطلق سراحهم الى عشائرهم لأجل استعادة حقوقهم الاجتماعية والمالية، لكن كيف بحقوقهم الحكومية بخاصة الموظفين، الذين اتهموا بعدد من القضايا الكيدية والذين فقدوا وظائفهم. وفق ذلك بيّن أحد الوجهاء، علي الأعرجي لـ(المدى) يكاد لا يمر شهر حتى نجلس مع بعض المتخاصمين بهذا الشأن، ونتوصل لحل يرضي الأطراف المتخاصمة. موضحاً إن، الحل يكمن بتعويض مالي واعتذار فقط. منوهاً: في ما يبقى حق الموظف أو العسكري الحكومي غير مُستعاد، بسبب غياب القانون الخاص بذلك.
واسترسل الوجيه الاجتماعي: استطعنا حل العديد من هذه المشاكل التي لولا حكمة البعض لحدثت جرائم قتل عدّة. مبيناً إنه، في إحدى الجلسات الخاصة بإجراء الصلح بين عائلتين بهذا الشأن، وبعد اتمام اجراءات الصلح والتعويض المالي، طلب والد المعتقل زوجة لابنه، وما كان من والد الابن المشتكي إلا الموافقة. مضيفاً: حقيقة الأمر فوجئنا، لكن بعد خروجنا من الجلسة التصالحية، سألت والد المعتقل عما حصل، قال: شاهدت عائلة محترمة وطيبة، وشيخهم معروف، فوجدت الفرصة سانحة لإنهاء الزعل أو الخصام بعلاقة تزاوج بين العائلتين، كي تكون درءاً أيضاً لأي إشكال أو خلاف مستقبلي..