TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ضياع كاتب ونهاية كتاب

ضياع كاتب ونهاية كتاب

نشر في: 7 أكتوبر, 2017: 09:01 م

على الرغم من سعة حركة النشر والطباعة في شرقنا المتوسط هذا إلا أن الكاتب والشاعر العربي والعراقي بشكل خاص يجد صعوبة بالغة في تسويق ما يكتب ويصدر من كتب، والتسويق بمعنى القراءة والتلقي لا بمعنى المبيع، وهو يتحسس عن قرب حجم الفجوة بينه كمنتج للنص والآخر، المتلقي، القارئ، الذي تراجعت رغبته في القراءة أكثر مما يجب، حتى بات الكتاب خارج اهتمامه، وما النسب المتدنية التي توردها بعض المراكز البحثية عن حجم ما يقرأه العربي أزاء ما يقرأه الاوربي أو الاميركي والياباني إلا الدالة والبيان على المأزق الذي وجد المثقف العراقي نفسه فيه، إذ السؤال هنا يقول: ما معنى أن تكتب وما الجدوى من إصدار كتاب ما ؟
  يمكننا الرجوع الى تاريخ  تراجع اهتمام القارئ العراقي بالكتاب الى السنوات الأولى من الحرب العراقية الايرانية، حين زجَّ النظام السابق الشعب كله فيها، فقد سجلت السنوات تلك الانعطافة الخطيرة في فهم وظيفة الحرب وجدوى خوضها، وما إذا كانت حرباً شريفة أم لا؟ ومعلوم أنَّ الشعب بصورة عامة كان قد انقسم فريقين-دونما تصريح بذلك- واحد مع الحرب بوصفها شرفاً ووجوب مشاركة. وفريق ضدها، آيتهم في ذلك أنها عدوان على جارة مسلمة، ولسنا هنا في مورد تقسّيم الفريقين على أساس طائفي. فلسنا مع هذا وذاك فالحرب هي الحرب بأي صورة جاءت .وهكذا، اهتزت قيم الثقافة في الذائقة الجمعية العراقية، وتشوهت فكرة أن يكتب شاعر ما قصيدة أو يكتب روائي رواية، حيث صار لزاما على المثقف(منتج الكتابة الابداعية) شاعرا وساردا وفنانا، أيضاً إتخاذ موقف مناصرٍ للحرب، والموقف هذا حدد أهمية الكتابة باشتراط تناولها للحدث قبولا ومديحا، لا باشتراط اهميتها كمنتج جمالي وانساني، ومن يتخذ موقفا مناهضاً سيكون في محل شُبهةٍ من السلطة، في أقل تقدير. في اللحظة تلك بات المثقف والثقافة بعامة موضع شك عند القارئ.
 ولو احصينا مجموع ما كُتب من نصوص ضد الحرب أو في الحياد منها لوجدناه لا يشكل رقما ازاء ما كتب في مديحها وتسويقها، لكننا، لن نعثر على أهمية فنية وإبداعية تذكر، في مجمل ما كتب -اللهم إلا في استثناءات قليلة- وهنا فشل المثقف، الكاتب، الشاعر، الفنان في تجسير العلاقة بينه وبين القارئ، الذي أصبحت آلافُ الكتب عنده لا تساوي ضمير جندي أُخِذَ للحرب بغير رغبته، وتُرِكَ جسدُه في أرض المعركة. ضمن المعادلة الصعبة هذه لا يمكن تصور الخسارة التي منيت بها الثقافة والمثقف أيضاً، إذ أيّ معنى لكتاب لا يمنحك الحقيقة، وما الجدوى من قراءة قصيدة تمجّد جندي ميت، لم تتبلور في قلبه بعد معانى الوطن والحرية والمستقبل، أو لا تملك زوجته الحليب الكافي لطفلها الذي تركته وحيداً في سريره، وذهبت تبحث في سجلات مركز تسليم الشهداء عن بقايا جثته، ما قيمة النجمات في كتف الضابط الذي ستظل صورته معلقة على الحائط، أبد الدهور، ذلك لأن صاحبها مات في الحرب هذه؟ في الوطن الذي سيوصف في المحافل الدولية معتدياً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram