رحمة ذات الستة أعوام، كانت تنتظر يوم ذهابها الى المدرسة بفارغ الصبر وهي تشاهد جمال المدارس وثياب الطلاب الأنيقة والصفوف الملونة ومقاعد الدراسة الواسعة والمريحة عبر برامج فضائيات الأطفال وكيف يمرحون في ساحات المدارس التي هي الأخرى لا تقل جمالاً عن الص
رحمة ذات الستة أعوام، كانت تنتظر يوم ذهابها الى المدرسة بفارغ الصبر وهي تشاهد جمال المدارس وثياب الطلاب الأنيقة والصفوف الملونة ومقاعد الدراسة الواسعة والمريحة عبر برامج فضائيات الأطفال وكيف يمرحون في ساحات المدارس التي هي الأخرى لا تقل جمالاً عن الصفوف، لكنّ رحمة في يومها الدراسي الأول في مدرسة الحكمة الابتدائية للبنات في الكوفة بداية شارع المعمل مجاور المركز الصحي، صُدمت بواقع مدرستها...
حين نمعن النظر بالصور المنشورة لتلميذات مدرسة الحكمة وهن يتزاحمن بالجلوس على مقاعد الدراسة غير المريحة والمكسرة، يخيّل لنا أنّ البلد يتصدر دول وبلدان العالم بالفقر، والصحيح إنه يتصدر تلك الدول بالفساد والسرقة اللذين نجم عنهما هذا الحال الذي لايمكن تصوّره.
علي الخزرجي والد تلميذة في مدرسة الحكمة، بيّن أن الأمر لم يقتصر على الصفوف السيئة ومقاعد الدراسة المكسرة فحسب، بل شمل حتّى توزيع القرطاسية، فضلاً عن تأخر الكتب أيضاً، ما اضطرنا لشراء القرطاسية من الأسواق وبأسعار مرتفعة. زينب زميلة رحمة وجارتهما في المحلة، ولأنهما تأتيان معاً الى المدرسة جلستا جنباً الى جنب في الرحلة التي أضيفت لها ثلاث طالبات أخريات، ما دفع بها الى أن تجلس على حافّة المقعد لتلافي السقوط، لكنها رغم ذلك، أصرت في اليوم الثاني على الذهاب الى المدرسة.
نور حسين والدة احدى الطالبات، تندب حظ ابنتها التي بدأت سنواتها الدراسية في هكذا مدرسة، وصف لا تتوفر فيه أدنى شروط التعليم، التي يمكن أن تقدم أجيالا تسهم ببناء البلاد.. فيما اكتفت والدة زهراء بالإشارة الى المدارس الأهلية التي يبدو أن هناك تعمداً من قبل جهات، لم تسمها، لإرغام المواطنين على تسجيل ابنائهم فيها. قبل أشهر أعلنت وزارة التربية، عن أن وزير التربية صادق على تعيينات (903) درجة وظيفية ضمن حصة تربية المحافظة والتي سبق الإعلان عن تخصيصها مسبقاً بواقع مدرس (216)و (687) معلماً، لكن اين المدارس التي يمكن أن يدرّسون بها؟، وفي وقت سابق وتحديداً عام 2013 أفادت مديرية تربية النجف، بأن المحافظة تحتاج الى قرابة 250 مدرسة في عموم أرجاء المحافظة، لكن المديرية لم تعلن منذ ذلك التاريخ عن إتمام بناء وتجهيز مدرسة واحدة.
معلمة لم تكشف عن اسمها، بيّنت أن عدد تلميذات المدرستين يقترب من 1800 تلميذة، ولو فرضنا أن كل مدرسة تضمّ 900 طالبة، ولو قسمنا عدد التلميذات على 12 صفاً، سيكون عدد صفوف المدرسة نحو 75 تلميذة في كل صف! هل تصور أحدٌ من المسؤولين، كيف يكون التعليم في ظل هذا العدد الكبير؟.
انتهى اليوم الدراسي، وعادت التلميذات الى بيوتهن وكلهن أملٌ بمدرسة افضل وصف أجمل ومقاعد جلوس أنظف وأكثر راحة، لكن ذلك الحُلم، كما تقول أم علي والدة طالبتين، لن يتحقق في ظلّ حكم السرّاق وتفشي الفساد.