TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صورة التشكيلي في السينما

صورة التشكيلي في السينما

نشر في: 11 أكتوبر, 2017: 03:26 م

تبدو العلاقة بين الرسم والسينما علاقة وطيدة منذ بداية فن السينما، فقد استفادت السينما من الفن التشكيلي كثيراً، ومنذ وقت مبكر لها، وقد كان ذلك حدثاً فنياً، فمنذ عشرينيات القرن المنصرم، نلاحظ أنَّ العديد من التشكيليِّين السيرياليين كانوا يَرَونَ في السينما وسطاً مثالياً لسبر واستكشاف عوالم أخرى. وقاموا بمحاولاتٍ تجريبيةٍ مع الفيلم لغاياتٍ سيريالية. (بيكابيا) كتب سيناريو فيلم (استراحة) من إخراج (رينيه كلير). (وسلفادور دالي) شارك (بونويل) في كِتَابَةِ وإخراج (كلبٌ أندلسيٌّ). إنَّ هذا الانتقال من الوسط التشكيلي إلى الوسط السينمائي يجعل هؤلاء الفنانين، وعلى نحوٍ محتومٍ، يوجهون اهتماماً وعنايةً أكبر بتكوين الصورة، بحسب الناقد محمد عبيدو في دراسته الجميلة (صورة الفنان التشكيلي في السينما).
وقدت السينما طوال تاريخها العديد من الأفلام عن الفنانين التشكيليين، بعض هذه الأفلام يحتفي بالفنان بوصفه عبقرياً معذباً، رائياً، والذي يتخطى ظروفه الاجتماعية المباشرة، غير إنّ هذا النوع من الجديد من الأفلام لم يكتسب أهميته إلا سنة 1948 عندما فكر مخرجان ايطاليان هما (لوسيانو ايمر وانركو غاس) بتصوير اعمال (جيوتو وكاربشيو وجيروم بوسن).. وكانت أفلامهما بحق، بداية علاقة جديدة بين السينما والفن التشكيلي، وما لبث أن اتجه عدد من السينمائيين على اعمال مصوري وفناني الماضي والحاضر، وبدأت صالات السينما بعض افلام الفن التشكيلي فأخرج (الان رينيه) ثلاثة افلام عن (فان غوغ وغوغان وغورنيكا) لوحة بيكاسو الشهيرة، وتبوأ (رينيه) بهذه الأفلام مكانة رفيعة باعتباره استاذاً في هذا النوع من الأفلام، وأنجز (جان اوريل) فيلم "الاعياد المجيدة، و"قصة مانيه" وأخرج (لودوكا) فيلماً عن الفنان (هنري روسو).. وقدم (بيير غاسبار) فيلم "الحياة الدرامية لموريس ارتيللو" وبيير كاست فيلم "نساء اللوفر".
أما فيلم تاركوفسكي عن رسام الايقونات الروسي (اندريه روبليف) 1966 فيسعى الى عرض المرحلة التاريخية والاجتماعية التي عاش فيها الفنان. الفيلم يمثل رؤية لحياة "اندريه روبلوف" الذي ولد في أواخر القرن الخامس عشر وكان راهباً، ولكنه اصطدم مع الكيسة ومع الدولة في زمن كانت روسيا القيصرية تعاني الاضطرابات الداخلية والغزوات التترية، يقوم برحلة شعبه وغرائب حياتهم، مما لم يكن يعرفه من قبل اثناء عزلته في ديره البعيد المنعزل.
هناك افلام مثل (كارافاجيو) للمخرج (ديريك جارمان) 1986 تعيد بناء أو تركيب علاقة الفنان بواقعه من خلال مزيج من الحقائق والتخيلات، وبالتالي فإن هذه الأفلام لا تحرص على تصوير التجربة الحياتية للفنان، ولا تقدم بورتريهاً واقعياً أو مسيرةً ذاتيةً للفنان، بقدر ما تتم بإيجاد عوالم بديلة، وبتقديم رؤية شخصية، وهناك افلام تتيح لنا أن ننفذ الى عملية الإبداع وسر الايجاد الفني، دون أن يكون الفيلم درساً في الفن أو في تاريخ الفن. إن التركيز على فعل الإيجاد والبحث عن عناصر ادراك الفنان التي رافقت تحقيق اللوحات هي محاولة لكشف الصلة بين حياة الفنان وتعبيره الجمالي، أي أن يكون الفنان نموذجاً لسبر واستكشاف مسألة سيكولوجية الإبداع الفني.
ويقدم المخرج الاسباني (كارلوس ساورا) عالم أبرز رموز الفن الإسباني، وهو الفنان التشكيلي العالمي (فرانشيسكو دي غويا) في فيلم بعنوان/ غويا في بورديوس/ 1999 وقام بتجسيد شخصيته الممثل الشهير (فرانشيسكو رابال). ويتناول هذا الفيلم السنوات الأخيرة من حياة (غويا) يعاني من ويلات الفقر والجهل والاستبداد، وبكثير من الشاعرية والجمال البصري وبأسلوب جديد ادمج فيه المخرج في تناسق بين جمالية وسحر السينما وعمق وغموض الإبداع التشكيلي، طوقت الكاميرا لحظات مصيرية وآلام الناس ومعاناة شعبه، الى جانب مشاهد من الحب والجمال من خلال علاقته الحميمة بالدوقة (دي البا) التي استولت على قلبه وملكت كل حواسه، حيث بقي حبها حياً في قلبه حتى آخر نبضة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram