اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سرُّ اللوحات الأفقية

سرُّ اللوحات الأفقية

نشر في: 13 أكتوبر, 2017: 09:01 م

عشرات الزوارق والمراكب الشراعية والسفن الصغيرة تَمُرُّ كل يوم بمحاذاتي وأنا أرسم. تمضي مسترخية وهي تقطع القناة المائية التي يطل عليها المرسم الذي يحيطه الماء من الجانبين. أتمتع كثيراً بهذه الأشكال الملونة التي تعودت على رؤيتها وهي تتهادى على صفحة الماء بنعومة، كما تتهادى فتيات هولندا الجميلات في الحدائق والشوارع والأماكن العامة.  كان بيكاسو يقول (حين أتجول أو اقضي بعض الوقت بين الأشجار والمزارع، أعود الى مرسمي بعدها لتفريغ ما حملته من اللون الأخضر على قماشات الرسم). أُصَدِّقُ ذلك كثيراً وأشعر به في أغلب الأحيان، وأرى أن الطبيعة والمشاهدات وكل ما يحيط بالفنان ينعكس على رسومه واعماله كما ينعكس لون السماء فوق سطح البحر وتتلألأ الأضوية على وجه النهر. ومثلما تنعكس وجوهنا في المرايا، تنعكس الموجودات والتفاصيل التي نعيش بينها علـى قماشات الرسم. يسألني الكثيرون عن سر اللونين الأخضر والأزرق في أغلب لوحاتي، فأشيرُ الى الماء والخضرة التي تحيطني، حيث يعقد بحر الشمال خاصرته التي بلون التركواز حول مقاطعة فريسلاند التي أعيش فيها.
في إحدى المرات عرضت لوحاتي في جزيرة أمالاند التابعة للأراضي الهولندية، وهناك لاحظت أن لوحات كل الرسامين تقريباً مستطيلة جداً، ويرسمونها بشكل أفقي، عندها سألت صديقي الرسام التجريدي توم بايل الذي يعيش هناك عن سبب ذلك، فقال لي (اننا ياصديقي نطلّ على البحر في كل لحظات حياتنا، انظر الى هذا الأفق المفتوح نحو الجانبين، إنه ينعكس على أشكال وحجوم لوحاتنا أيضاً) ثم أردف ضاحكاً (ستار، لو كنت تعيش مثلي وسط الماء، لأصبحت كل لوحاتك أفقية!). على كل حال يبقى الفنان ابن الطبيعة والمناخ والظروف التي يعيش فيها، وهذه كلها تؤثر بشكل أو آخر في أعماله. لقد ساعد نهر السين الفنانين الانطباعيين كثيراً ومنحهم فسحة ليرسموه في مئات اللوحات، حيث تنعكس أشكال الناس والاشجار والمراكب فوق صفحته وتتحرك الاشكال بشكل زئبقي، ووظفوا ذلك كله بفرشاة ترقص وتتحرك على الكانفاس بعذوبة قَلَّ نظيرها. الفنان يستلهم الكثير من الطبيعة، وسواء كانت هذه الطبيعة حرائق أم ضباباً فإن براعة الفنان سوف ترصدها بشكل صحيح وتستلهم طاقتها الجمالية كما فعل الفنان وليم تيرنر مع ضباب لندن وحرائق السفن البعيدة وهو يطلّ من نافذة مرسمه على البحر بمنطقة تشيلسي. كذلك حين وضع فنسنت فان غوخ أولى خطواته في باريس، لتختفي الى الأبد كل ألوان مدرسة لاهاي المعتمة التي كانت تغلف لوحاته، وظهرت من بين أصابعه الألوان القزحية المشرقة التي تداعب وجه مدينة النور، ليغير بعدها تاريخ الرسم من خلال هذه الإشراقة التي ملأت روحه ولوحاته. هناك ايضاً بعض الفنانين الذين وجدوا أنفسهم في اماكن معينة فرضتها عليهم بعض الظروف، مثلما وجد الرسام ديغا نفسه وسط راقصات الباليه وهو يحمل أوراق الرسم ويضع في جيبه مجموعة من أصابع الباستيل، بعد أن ضعف بصره كثيراً ولم يكن بإستطاعته السيطرة على الرسم بالألوان الزيتية، وهكذا أوجد هذا الحل العظيم للخلاص من مشكلته وانجز اعمالاً عظيمة بالباستيل.
كل ما يحيط بالفنان يؤثر في أعماله سلباً أو إيجاباً، وهذا لا يعني بأن الفنان يتأثر وينقل ذلك حرفياً، بل هو يستجيب لبعض المؤثرات التي تتراءى أمامه ويحاول أن يجد لها حلولاً تشكيلية مناسبة، وهذا ينطبق حتى على العمارة التي تأخذ بنظر الاعتبار المكان المحيط بالبناء والمناخ وطبيعة المؤثرات الخارجية، وحتى شكل البناء يكون في الغالب مستوحى بشكل تجريدي من شكل موجود أصلاً في الطبيعة. يبقى استلهامنا لما يحيطنا من تفاصيل يشكل نصف الحكاية، والنصف الآخر منها هو كيف نمسك بكل ذلك، ونقدم من خلاله أعمالاً مهمة وجميلة ومؤثرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram