مع كل جريمة بشعة ترتكب في مجتمع معين، ترتفع أصوات كثيرة منادية بتطبيق أقصى العقوبات على الجاني أو الفاعل أو المتهم حمايةً للمجتمع ومنعاً لتكرار جرائم من تلك الشاكلة، تليها دعوات أخرى رافضة لعقوبة الإعدام فعلاً وفلسفة.
والجدل المحتدم بين
مع كل جريمة بشعة ترتكب في مجتمع معين، ترتفع أصوات كثيرة منادية بتطبيق أقصى العقوبات على الجاني أو الفاعل أو المتهم حمايةً للمجتمع ومنعاً لتكرار جرائم من تلك الشاكلة، تليها دعوات أخرى رافضة لعقوبة الإعدام فعلاً وفلسفة.
والجدل المحتدم بين المنادين بالإعدام والرافضين له جدل حديث متصل بالثقافة الحقوقية التي ترفض الإعدام من حيث المبدأ، لأن الإعدام بوصفه عقوبة قصوى فهو ممارسة عرفها الإنسان منذ القدم ولم تصدر من الأديان السماوية ما يمنعها أو يرفضها.الإشارة إلى أن مناهضة عقوبة الإعدام هي ثقافة تنتمي إلى المدونة الحقوقية، وهي ثقافة حديثة، تحيل إلى أن تلك المدونة تتكئ في رفضها للعقوبة الأشد على مبادئ وثوابت ومعايير حقوقية من قبيل القول إن عقوبة الإعدام “تنتهك اثنين من حقوق الإنسان الأساسية: وهما الحق في الحياة والحق في العيش دون التعرض للتعذيب .وهذه الحقوق مكفولة ومكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في العام 1948”. وأن العديد من القوانين الدولية تحظر صراحة استخدام عقوبة الإعدام إلا في حالات الحرب -وهو استثناء لم يحل دون تكرار الحملات المناهضة لعقوبة الإعدام- مثل البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والبروتوكول الملحق بالاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام .
دول كثيرة استجابت للفكرة الحقوقية الفلسفية، وألغت عقوبة الإعدام واستبدلتها بعقوبات سالبة للحرية، مثل السجن المؤبد انطلاقاً من كون عقوبة الإعدام عقوبة غير إنسانية وتسلب الإنسان الحق في الحياة، وأيضاً لأنها غير قابلة للرجوع أو الإصلاح أو التدارك، لكن عدم تراجع معدلات الجريمة في الدول التي ألغت الإعدام، وفر للمنادين بتطبيقها وجاهة الحجج وقوة الأدلة ليرتفع القول إن بعض الجرائم لا يمكن تفاديها أو مواجهتها أو الرد على بشاعتها إلا بالإعدام صوناً للمجتمع وحماية له من الإجرام .
العدالة هي مفهوم نسبي غير مطلق ويختلف من فضاء إلى آخر وتتطلب قضاءً حراً ومستقلاً كما تتطلب مناخاً اجتماعياً وإعلامياً وثقافياً يتيح تحقيقها بين حماية المجتمع وحق الإنسان في الحياة، يدور الخلاف حول تطبيق عقوبة الإعدام من عدمها. ما يوحي باختلاف المنطلقات في النظر إلى القضية التي تختزل في عمقها كيفية تحقيق العدالة، حيث ترى الأطراف المدافعة عن تطبيق الإعدام في العقوبة تحقيقاً للعدالة، في حين ترى الأصوات المناهضة أن العقل البشري بوسعه تدبر حلـول لتحقيق العـدالة مـن دون سلب الإنسان حياته .
الجدل المستعر بين الدعوة إلى تطبيق الإعدام حماية للمجتمع من الجريمة، ورفض العقوبة انطلاقاً من حق الإنسان في الحياة هو في عمقه جدل حول سبل تحقيق العدالة .
والعدالة هي مفهوم نسبي غير مطلق ويختلف من فضاء إلى آخر وتتطلب قضاءً حراً ومستقلاً كما تتطلب مناخاً اجتماعياً وإعلامياً وثقافياً يتيح تحقيقها أو تصويب انحرافاتها وكشف عوراتها وتتطلب أساساً كذلك ديمقراطيةً تسمح بالنقد والتعبير والرفض .