يمكن تلخيص الزلازل السياسية في السنوات الأخيرة بصيحة اجتماع أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: " استعيدوا السيطرة." فعبر العالم، نجد أن عدم الاستقرار، الافتقار لقوة الوصول إلى الأمور التي تهم في حيواتنا، والأغلبية المتنامية التي لا تُسمع أو تُع
يمكن تلخيص الزلازل السياسية في السنوات الأخيرة بصيحة اجتماع أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: " استعيدوا السيطرة." فعبر العالم، نجد أن عدم الاستقرار، الافتقار لقوة الوصول إلى الأمور التي تهم في حيواتنا، والأغلبية المتنامية التي لا تُسمع أو تُعالج اهتماماتها وأولوياتها، قد أحدثت غضباً سياسياً غير مسبوق، كما تقول ليزا ناندي، عضوة البرلمان البريطاني، في مقالها هذا.
إن "عصر الغضب" ظاهرة عالمية وعميقة الجذور. وهيمنة الشركات المتعددة القوميات، وهي الآن أقوى من دول عديدة، قد حصّنت لها نظاماً يقوم ببنائه جيش من العمال غير المستقرين والمنخفضي الأجور. والدولة التي تشعر أنها نفسها تفتقر إلى القوة لتغيير النظام تحاول بدلاً من ذلك التعامل مع النتائج، وليس السبب، متشددة بشأن المطالبين بالمنافع ومشيطنةً الناس العاطلين عن العمل. وحين يكون رأس المال مهيمناً، تصبح القوة الشرائية شرطاً لازماً لحقوق إنسانية مثل السكن الآمن، النظيف، المناسب لإمكانات الفرد المالية .. وهنا يتوجب على الدولة أيضا أن تتصرف للحد من قوة الشركات التجارية. وسيتطلب منها ذلك الشجاعة والاقتناع للقيام بهذا.
وتوفر الاشتراكية الليبرالية توازناً أساسياً، قائماً على إعادة التصريح بالقيمة المتساوية والمضمونة في إطار حقوق الإنسان. لكن في الجماعات الأكثر حرماناً من هذه الحريات أصبح مفهوم حقوق الإنسان خالياً من مضمونه إلى حدٍ كبير. وما إخفاق حزب العمال البريطاني في اعتناق حقوق الإنسان إلا إحدى المآسي العظيمة من مآسي تاريخنا الحديث.
لقد كان مضربو غرينويتش، والناشطون في حركة مساواة المرأة بالرجل، وأصحاب الحملات المتعلقة بالعلاقات العنصرية في السبعينيات يفهمون النضال من أجل الحرية على أنه كفاح في وقت واحد من أجل الانعتاق الاجتماعي والاقتصادي؛ نضال فردي وجماعي. وقد تعرضت تلك الحقوق الجماعية ، المحتفى بها والمدافَع عنها على امتداد تاريخنا، للضياع في السنوات الأخيرة ويجب أن تُستعاد.
وكما جاء أعلاه فإن على الدولة الحد من قوة الشركات التجارية. ولا يمكن تحقيق هذا إلا من خلال عمل عالمي، عبر تلك المؤسسات ذاتها ــ الاتحاد الأوروبي، والناتو ــ التي هوجمت وساءت سمعتها هكذا في العقود الأخيرة. ويستلزم الأمر إقداماً وقناعة حقيقية لتغيير ذلك. ولا يمكن حصر العمل بمجرد التنظيم، وإنما يجب النص ثانيةً على هيمنة الديمقراطية لضمان أن تكون مستمدة من مصالح الناس، وليس الربح، وأن التحديات المشتركة، مثل التغيير المناخي، يتم التفاوض بشأنها في مصلحة الكثيرين. ولا يعني شيئاً الافتقار لإعادة تصور العلاقة بين الحكومة والمصلحة الخاصة، وخلق نظام عالمي مسؤول وشفاف ليس فيه شركة تكون فوق الاعتبارات القانونية وحيث يكون الاقتصاد موجوداً للعمل من أجلنا، ولسنا نحن الموجودين من أجله.
ويشكل المزيد من التحدي بالنسبة لليسار حاجة ضاغطة لإعادة تصور دور الدولة. ففي العقود الأخيرة، وصل اليسار للاعتقاد بأن غرض الدولة المتأصل ببساطة إعادة توزيع الثروة، وبفعله هذا يكون قد أهمل استعادة القوة بمعناها الأوسع. لقد انتهى عهد الدولة التي تصنع القرارات فيها قلة صغيرة. وفي المستقبل سيكون دور الحكومات تسهيل القرارات المشتركة، وليس صنعها.
ويتطلب ذلك يساراً يأخذ على نحوٍ جدي إمكانية نقل السلطة من المركز إلى الفروع. ليس كنموذج جورج أوزبورن المتعلق بنقل صنع القرار من مجموعة من الرجال في هوايتهول إلى أخرى في تاون هول، وإنما التزاماً بنموذج فيدرالي على نحوٍ أصيل تُدار فيه سلطة حقيقية أقرب إلى الشعب.
والآن وقد شهدنا العواقب السياسية الكارثية التي يولدها اليأس، فسيكون من الإجرام عدم الالتفات إلى ذلك. فإذا ما أمكن معالجة التصدعات التي ظهرت، سيتطلب منا الأمر ليس أقل من الالتزام باشتراكية ليبرالية ، يعززها إيمان راسخ بحقوقنا الإنسانية الجوهرية التي تستعيد السلطة لأصحابها الحقيقيين.
عن/ The guardian