TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فتش.. عن الإنسان!

فتش.. عن الإنسان!

نشر في: 13 أكتوبر, 2017: 09:01 م

عرضت إحدى القنوات الفضائية تقريراً عن عامل تنظيف من محافظة ذي قار تم طرده من عمله بعد ثماني سنوات لأنه رجل أمي رغم إنه أدى عمله باخلاص وتفان..المهم إن الرجل يعمل حاليا في جمع القمامة وغادر أولاده الثلاثة مقاعد الدراسة لمساعدته في إعالة اسرته التي تعاني من الفقر والجوع وتسكن في منزل متهالك ..لانريد هنا أن نتحدث عن اهمية التعليم لصغار العامل ولاعن البدائل التي يمكن أن تقدمها الحكومة لمثل هذا الرجل ليمارس مهنة شريفة تحفظ له هيبته أمام أسرته وتضيء لأولاده الطريق الى مستقبل أفضل ، بل لنتحدث عن كرامة الانسان العراقي التي يستلبها الفقر وقلة حيلة الرجال ..متى تصبح كرامة الانسان هدفاً تسعى الحكومات الى صيانته فمن المعروف لدينا جميعا إن الأنسان يفقد كرامته حين يهدده الجوع والمرض وقد يضطر الى ممارسة مهن لاتتناسب مع عمره وكيانه الاجتماعي لمجرد أن يوفر لقمة العيش لأسرته ...متى تفهم الحكومات إن الفقر هو أسوأ أنواع العنف وإن الطفل يمكن أن يرتكب أبشع الأعمال حين تسلب كرامته فمتى ماعومل بعنف فقد يصبح هو ذاته مصدرا للعنف كرد فعل طبيعي ونكون هنا قد حصلنا على عضو مسيء في المجتمع بدلاً من أن ننتج مواطناً صالحاً، فالفقر ليس الجوع الى المأكل والحاجة الى الكسوة ، بل هو القهر بعينه خاصة حين يستخدم الفقر لإذلال الروح ، وهو ماحدث مع عامل التنظيف الحكومي الذي تحول بين ليلة وضحاها الى جامع نفايات ..فهل فكر المسؤول الذي خط بقلمه قرار فصل العامل من وظيفته بمدى القهر الذي سيشعر به وكيف سيكون عاجزاً امام اسرته ماسيجبره حتما على ممارسة اية مهنة ليحمي عائلته من الجوع ؟!!
واذا كانت الامّية هي جريمة العامل فالجهل هو جريمة المسؤولين لأن الحكومة التي لاتدرك قيمة الإنسان هي حكومة جاهلة بامتياز ، وإذا كانت الاميّة عائقاً أمام حصول المواطن على مهنة بسيطة فمن الأجدر بالحكومة أن تمحو تلك الاميّة وهذا لايرتبط بعمر معين ، وحملات محو الأمية التي شهدها العراق في سنوات السبعينيات والثمانينيات وتخرج منها آلاف العراقيين مثال رائع لاثبات حقيقة إن التعليم حق للجميع فقد حظي الكبار بتعلم الحرف و(فك الخط) وتمكن الصغار والطموحين منهم من اتمام تعليمهم والالتحاق بالمدارس المتوسطة والاعدادية وحتى الجامعة ...
في السويد ، نال عدد من الطلبة المتفوقين فرصة ارسالهم الى البرازيل في رحلة مدرسية وكان بينهم طالب عراقي رفضت السفارة منحه الفيزا بسبب جوازه العراقي ، فماكان من مديرة المدرسة إلا أن قابلت رئيس الوزراء السويدي ليمنح الطالب جوازا سويديا يسهل له الحصول على الفيزا ، وكل ذلك لكي لاتتحطم نفسيته حين يفقد فرصة السفر مع أقرانه !! ..لقد فكر السويديون بروح الإنسان ، ولم يفكروا بجنسيته وهذا مايجعلهم شعبا متطورا ، فهل يحق لنا أن نحلم بعراق متطور ونحن نحمل أمراضا لاسبيل الى الشفاء منها ..الكراهية وإذلال المواطن وأهماله وحرمانه من أبسط حقوقه؟..هل يحق لنا أن نحلم يوما ببلد يأمن فيه الانسان على نفسه من خطر الجوع ..ادرك ان تساؤلاتي مريرة وعقيمة فلااجابة شافية لها لأن المسؤول الذي يضع مصلحته فوق مصلحة ابناء وطنه لن يبالي حتما بطرد عامل من مهنته أو تجويع أطفاله وحرمانهم من الدراسة أو إذلاله بممارسة عمل مهين ..انه لايبالي أصلاً ببيع وطنه فهل سيدرك يوما معنى (كرامة الإنسان) ؟!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram