محمد درويش علي في الصباح وأنت تنزل الى الشارع، يلفح وجهك هواء ممزوج ببرودة الشتاء وحرارة الصيف الذي بات يلوح بمجيئه المبكر بين يوم وآخر، وتطالعك لافتات تعلن عن انتخاب المرشحين للبرلمان الجديد، صور لنساء في كامل أناقتهن وقسم منهن كأنهن ممثلات أو مطربات جميلات،
وصور المرشحين من الرجال وهم يلوحون ويعلنون عن التغيير الجذري للمجتمع العراقي، ويجعلوننا نشعر بأن القمر والربيع يأتيان معاً، ويطرزان ليلنا المظلم، وينقذاننا من وحشته الكئيبة. وفي يوم آخر تمر في الشارع ذاته ترى الصور تناثرت هنا وهناك، وتداخلت الوجوه، كل ذلك بسبب عاصفة هوجاء جاءت في الليل وعملت عملها في الصور، وكأنها أدت دور الذين لم يؤمنوا بالانتخابات ولا المرشحين.أما الوعود التي في اللافتات فإنها تكفي ليس لاصلاح العراق وانما لاصلاح عشر دول مثل الصين الشعبية، وتقضي على الكثافة السكانية فيها. مرشح يواعد على توفير السكن اللائق لكل مواطن عراقي لكي يمد رجليه فيه على راحته، ويبعد عنه شبح المستأجر، وآخر يواعد على توفير الماء والكهرباء وتبليط الشوارع والطرقات وحتى الارصفة لا تنجو من سطوته الموقرة، وغيرهما يواعد بتوفير الأمن في كل مكان، وتشغيل العاطلين من الشباب وعدم تركهم يدورون في الشوارع، وينبطحون على أبواب المقاهي، وسواهما يواعدوننا على اعادة الماء الى نهر دجلة، ليتمتع أصحاب السمك المسكوف وأكلته، على ضفاف دجلة على أنغام أغنية خالدة الذكر أم كلثوم يا ظالمني، وتتواصل الوعود بشكل محموم وتتناقص الأيام التي تفصلنا عن موعد التصويت على المرشحين. وهناك بعض الملصقات التي تحمل صوراً، أما تشوه أو ترمى على الأرض وهي ممزقة، ويكون هذا في الليل، ولا ندري هل يحصل القائمون بذلك على أجور، مثلما حصلوا ثمناً لتعليقهم ملصقات غير التي مزقت؟ومن الطرائف أن أحد المرشحين قام في احدى مناطق بغداد بتوزيع لفات، في كل لفة شيش كباب وشيء من الطرشي والطماطة، مع عصير شربت، على عدد من سكان المنطقة وسط دهشة واستغراب السكان. ولم تكتف الطرائف الانتخابية عند هذا الحد، وانما وصلت الدعاية الانتخابية الى المقابر أيضاً، اذ قام أحدهم بتوزيع بطاقات التعريف بين النساء الثكالى في احدى المقابر، وكذلك على الآباء المفجوعين، فما كان من احدى النساء الا ان مسحت دموعها ببطاقة التعريف!المهم حينما تصعد الى سيارة نقل عام يدور الحديث حول الانتخابات ويتساءل الركاب عن الأموال المصروفة على هذه اللافتات والصور الملونة، ومن أين جاء بها المرشحون؟ ويتناثر الحديث مثل تناثر الصور في ليل عاصف، كل يدلو بدلوه، ويصرح على هواه بتصريحات فيها معلومات عن المرشح الفلاني والفلاني ربما لا تعرف بها حتى زوجته أما صاحب التصريح من أين جاء بها فلا أحد يدري. كلام مجاني وآخر حقيقي وما بينهما كلمات بذيئة، وصور المرشحين تطوقك اينما حللت ولا تترك لك فرصة لتأمل ازدحامات الشوارع أو الامتثال لاشارة رجل السيطرة أو المرور، وكلها تدعو للنزاهة والابتعاد عن السحت الحرام، وتبقى تردد مع نفسك هل رشح هؤلاء من أجلنا أم انها مجرد وعود للجلوس على كرسي أنيق، وتقاضي راتب يؤهلهم لقضاء الصيف الحار في المنتجعات الغربية ومصايف دول الجوار بعيداً عن طلبات الفضائيات لشرح موضوع ما؟ أيام تفصلنا عن الانتخابات ونحن نرهن أربع سنوات جديدة من حياتنا التي خرجت من الحروب والمفخخات والقتل على الهوية والتهجير من بيوتنا، بأيدي المرشحين الذين فيهم من الدورة السابقة مثلما فيهم الجدد من أصحاب الشهادات. هل يوصلوننا الى بر الأمان أم يتركوننا عرضة لخراب جديد وتصريحات وتبريرات يومية جديدة ورمي الكرة من واحد الى آخر، ويجعلوننا نتفرج على أحزاننا والأسف يأكلنا ونحن نردد لم انتخبنا هؤلاء؟
وقفة: انتخابات وشيش كباب
نشر في: 28 فبراير, 2010: 05:37 م