مقاول وإثنان من أبنائه يقدمون على خطف وقتل وإحراق جثة شخص أعزل في برميل للنفايات، كونهم مديونين له بـ37 مليون دينار، على هذا الخبر الصادم استيقظت محافظة ذي قار في الخامس من شهر تشرين الأول الحالي، وهي التي لم تفق بعد من صدماتها السابقة المتمثلة بمقتل
مقاول وإثنان من أبنائه يقدمون على خطف وقتل وإحراق جثة شخص أعزل في برميل للنفايات، كونهم مديونين له بـ37 مليون دينار، على هذا الخبر الصادم استيقظت محافظة ذي قار في الخامس من شهر تشرين الأول الحالي، وهي التي لم تفق بعد من صدماتها السابقة المتمثلة بمقتل ثلاثة أشخاص على يد خالهم، ومقتل وجرح 177 شخصاً في عمل إرهابي استهدف المحافظة منتصف شهر أيلول المنصرم.
وتشير تفاصيل الجريمة التي ارتكبها المقاول وابناؤه، والتي كشفت عنها مديرية مكافحة إجرام ذي قار في بيان لقيادة الشرطة، الى أن المقاول ( م. ش. أ ) والبالغ من العمر 51 عاماً وولديه كل من (ع. م. ش) والبالغ من العمر 24 عاماً وشقيقه (و. م. ش ) 23 عاماً، اعترفوا بعد إلقاء القبض عليهم، باستدراج المجني عليه (و. ق. ج) البالغ من العمر 32 عاماً إلى ورشة حدادة عائدة لهم، تقع في الحي الصناعي بمدينة الناصرية، بذريعة تصفية الحسابات المالية بينهم، ومن ثم تمّ خطفه وقتله وإحراق جثته بداخل برميل عتيق في منطقة نائية، كون المجنى عليه له بذمة المتهمين مبالغ مالية تقدّر بـ37 مليون دينار.
100 مليار دينار ديونٌ مستحقّة
ويعزو المعنيون بالشأن الاقتصادي والمالي بعض أسباب لجوء المقاولين في ذي قار الى ارتكاب جرائم القتل أو الانتحار الى تفاقم ديونهم الناجمة عن توقف 444 مشروعاً من المشاريع الحكومية المتعاقدين على تنفيذها مع الجهات الحكومية، وتلكؤ تلك الجهات عن تسديد مستحقات المقاولين التي تقدّر بأكثر من 100 مليار دينار نتيجة الأزمة المالية الراهنة .
إذ يقول عضو مجلس إدارة اتحاد رجال الاعمال في ذي قار المهندس محمد البطاط لـ(المدى) في معرض تعقيبه على تكرار حالات القتل والانتحار بين أوساط المقاولين ورجال الأعمال، إن ما شهدناه من جرائم قتل وانتحار بين اوساط المقاولين، مرشّح للتصاعد ما دامت الأزمة المالية قائمة وتتسبب بعجز المقاولين ورجال الاعمال عن تسديد ديونهم، منوهاً الى أن، ديون المقاولين ناجمة عن عدم التزام الجهات الحكومية بصرف ما بذمتها من مستحقاتهم للمقاولين. مبيناً إن، اجمالي ما بذمة الدوائر الحكومية للمقاولين يتجاوز الـ 100 مليار دينار وهي ناجمة عن توقف 444 مشروعاً من المشاريع الحكومية في ذي قار. مؤكداً إن، الجهات الحكومية اطلقت صرف 40 بالمئة من تلك الديون مؤخراً مع استقطاع اكثر من 6 بالمئة منها الى البنك المركزي العراق والمصارف التي تقوم بصرف السند الوطني..
وأكد البطاط: إن 60 بالمئة من الديون التي بذمّة الحكومة للمقاولين ما زالت غير مصروفة، وهو ما فاقم المشكلات والمنازعات المالية بين المقاولين والأشخاص الذين يطلبونهم .لافتاً الى أن، الخسائر المالية التي مُنيت بها الشركات نتيجة توقف المشاريع الحكومية كبيرة جداً، وقد أدت الى لجوء بعض اصحاب الشركات والمقاولين الى الانتحار نتيجة الانهيار المالي لشركاتهم وما ترتب عليه من آثار نفسية وأزمات اجتماعية.
محافظ ذي قار سبق وأن أكد، في (14 حزيران 2015)، إن تمويل مشاريع المحافظة والخطة المعتمدة في هذا المجال تتطلب أكثر من 800 مليار دينار بصورة عامة، وفيما أشار إلى أن الديون المستحقة والواجبة الدفع على ما تم إنجازه من مراحل عمل المشاريع المذكورة يتطلب أكثر من 115 مليار دينار.
200 شركة تعلن إفلاسها
وأوضح عضو مجلس ادارة اتحاد رجال الأعمال في ذي قار: أن اكثر من 200 شركة من شركات المقاولات في المحافظة، اعلنت افلاسها نتيجة الازمة المالية وتلكؤ الحكومة عن اطلاق مستحقاتها المالية المترتبة على تنفيذ المشاريع الحكومية. مبيناً أن اكثر من 50 بالمئة من شركات المحافظة البالغ عددها 400 شركة، أعلنت افلاسها وتوقفت عن العمل تماماً. مشيراً الى أن، اصحاب الشركات والمديرين المفوضين لتلك الشركات بعد أن كانوا معززين مكرّمين، باتوا اليوم مُلاحقين بقضايا أمام المحاكم بسبب توقيعهم شيكات من دون رصيد لأصحاب المواد الانشائية التي تدخل في تنفيذ المشاريع الحكومية التي تنفذها شركاتهم".
ولفت البطاط، الى أن، اصحاب الشركات كانوا يتعاملون بالشيكات المصرفية المؤجّلة على أمل أن تُصرف مستحقاتهم المالية التي بذمّة الحكومة، غير أن تلكؤ الحكومة عن إطلاق سلف المشاريع، أوقعهم بمشكلة كبيرة أدّت إلى تفاقم ديونهم. مؤكداً إن بعض اصحاب الشركات زجّوا بالسجن نتيجة عجزهم عن دفع قيمة الشيك أو تسوية ديونهم مع الدائنين.
وكان البنك المركزي العراقي كشف يوم 20 نيسان 2017، عن أن نسبة الفائدة لمستحقات المقاولين في السندات الوطنية التي سيمنحها نيابة عن وزارة المالية ستكون 5%، مؤكداً إنه سوف لن يتحمل أي خطأ في مستحقات المقاولين كون البنك يمنح فقط السندات وفق ما يأتيه من قوائم من قبل وزارة المالية.
تجاهل حكومي للقوانين الاقتصادية
ومن جانبه أيّد النائب الأول لرئيس اتحاد رجال اعمال ذي قار، المهندس كاظم حسين جابر، ما ذهب إليه زميله البطاط حيث أوضح لـ(المدى) إن الأزمة الاقتصادية فاقمت من المشاكل الاجتماعية وأدت الى سجن وانتحار بعض المقاولين الذين عجزوا عن تسديد ديونهم نتيجة التلكؤ الحكومي عن إطلاق مستحقاتهم المالية الخاصة بتنفيذ مراحل عمل المشاريع الحكومية التي قررت الحكومة ايقاف العمل فيها نتيجة الأزمة المالية. لافتاً الى أن، العديد من المقاولين والمدراء المفوضين للشركات زجّوا بالسجون نتيجة الديون المتراكمة التي استدانوها لتنفيذ المشاريع الحكومية. مضيفاً إن، عملية تمويل المقاولين من قبل اصحاب الأموال يخضع الى شروط وضمانات معينة، من بينها اعطاء شيك ضامن محدد بمدّة معينة لردّ الاموال المُستلفة، وفي حال عدم التسديد ضمن السقف الزمني المحدد، يضطر الدائن الى تقديمه الى المحكمة ورفع شكوى ضد المقاول أو اللجوء الى المنازعات والكوامة والتهديدات العشائرية، وهو ما يفاقم من المشكلات الاجتماعية ويعقّدها في المجتمع.
وأضاف النائب الأول لرئيس اتحاد رجال أعمال ذي قار إن الأزمة المالية التي تواجهها البلاد ناجمة عن سوء تخطيط من الحكومة المركزية وعدم تبني ستراتيجية اقتصادية ناجعة وقادرة على مواجهة المشكلات والتحديات الراهنة والمستقبلية. منوهاً الى أن، التنمية الاقتصادية تعتمد على قوانين اقتصادية ثابتة، إلا أن العراق يتجاهل امكانات وخبرات المختصين بالتنمية الاقتصادية .مشيراً الى أن، توقف عمل المقاولين وشركات القطاع الخاص، تسبّب بفقدان الكثير من العاملين لعملهم ومصدر رزقهم والتحاقهم بالحشود الكبيرة من البطالة التي تعجّ بها المحافظة.
ونوّه جابر أيضاً، إلى أن الأزمة المالية الأخيرة وتوقف المشاريع تسبّبا بتسريح أكثر من 50 ألف عامل، وهذا ما انعكس سلباً على مجمل الأوضاع الاقتصادية والأمنية في المحافظة. مشيراً الى أن، الأعداد الكبيرة من البطالة أخذت تتسبب بمشكلات كثيرة في المجتمع من خلال تورطها بجرائم السرقة والسطو المسلح واقتحام الدور ومحال الصيرفة وتهديد ومساومة التجار على أموالهم. متابعاً إن، العاطل عن العمل حينما لا يجد مورداً أو فرصة عمل توفر متطلباته المالية، قد يلجأ الى طرق غير مشروعة للحصول على المال وهو ما يقوده الى الانحراف في السلوك الاجتماعي.
توقف 250 معملاً أهلياً
وبشأن الآثار التي تركتها تلك الديون المستحقة على حركة العمل والإعمار في المحافظة، بيّن النائب الثاني لرئيس اتحاد رجال اعمال ذي قار، المهندس عادل ثامر الرميض لـ(المدى) أنّ الازمة المالية خلّفت آثاراً مأساوية على الوضع الاقتصادي في المحافظة، وعطلت الكثير من مفاصل النشاط الاقتصادي. فأغلب الشركات متوقف عملها حالياً نتيجة عدم اطلاق السلف والمستحقات المالية للشركات والمقاولين المنفذين للمشاريع الحكومية التي جرى توقيف العمل بها نتيجة تلك الأزمة. مضيفاً إن، اغلب شركات المقاولات ومعامل الطابوق والأسفلت وصناعة الكونكريت والبلوك، متوقفة حالياً. مستدركاً كلامه بالقول، إن عدد المعامل الأهلية المتوقفة في ذي قار يقدّر بـ 250 معملاً، من بينها 70 معمل طابوق و40 معمل أسفلت و10 معامل كونكريت، فضلاً عن معامل أخرى للكاشي والبلوك والصناعات الإنشائية الأخرى.
ولفت الرميض، الى أن الصناعة الوطنية باتت تواجه أزمة حقيقية في ظلِّ الأزمة المالية وسياسة الاستيراد المفتوح الذي لا يُراعي متطلبات حماية الصناعة والمنتج الوطني .مردفاً إن، تعطيل عمل الشركات والمعامل، أخذ ينعكس سلباً على مجمل النشاط الاقتصادي في المحافظة، فقد تأثر سوق العمل وقطاعات النقل وحركة البيع والشراء في الاسواق المحلية، فحينما لا تكون هناك حركة لرأس المال تتعطل معظم مفاصل الحياة. داعياً الى التعجيل باستكمال عملية اطلاق مستحقات الشركة التي بذمّة الحكومة.
الأحزاب الحاكمة تتحمل المسؤولية ؟
وأوضح النائب الثاني لرئيس اتحاد رجال اعمال إن، اتحاد رجال الاعمال سبق وأن قدّم مقترحات عدّة للحكومة المحلية لإشراك رجال الاعمال بإعداد الخطة الستراتيجية الخاصة ببناء اقتصاد مبني على أسس علمية، لكن لم يؤخذ بهذا الاقتراح، وبالتالي بات رجال الاعمال واصحاب المعامل والشركات يدفعون ثمن السياسة غير الرشيدة التي تتبناها الاحزاب المسيطرة على ادارة اقتصاد المحافظة. لافتاً الى أن أحزاب السلطة السياسية في المحافظة جاءت بمدراء غير مؤهلين لإدارة الدوائر الحكومية، وهذا ما أدى إلى تعثر وتلكؤ في معظم القرارات والخطط المعتمدة في إدارة اقتصاد المحافظة.
ونوّه الرميض الى أن، القطاع الخاص يمتلك رؤى وأفكاراً لتطوير اقتصاد المحافظة وتجاوز آثار الأزمة المالية الراهنة، من بينها توظيف القدرات المالية لرجال الأعمال في تطوير مشاريع واعدة اقتصادياً في المحافظة كمشروع العمارات التجارية والسكنية في شارع النبي ابراهيم، والمخطط لها بأن تكون 28 عمارة تجارية وسكنية بدلاً من تعطل هذا المشروع .لافتاً الى أن، اتحاد رجال الاعمال، اقترح أن تمنح كل عمارة لمستثمر من القطاع الخاص، ليقوم بإنشاء ما مخطط ضمن المشروع، وهذا من شأنه أن يحرّك مفصلاً مهماً في قطاعات البناء والتجارة والإعمار في المحافظة.
وأضاف الرميض، كما تم اقتراح تنفيذ مشاريع ترفيهية وعمرانية وتسويقية كالمولات والباركات على كورنيش الناصرية .متابعاً إن، اتحاد رجال الاعمال سبق وأن أعدّ خطة لمعالجة آثار الأزمة المالية على محافظة ذي قار، وقدمها الى الحكومة المحلية والمتمثلة بالاعتماد على القطاع الخاص في مجال الصناعات ليكون قطاعاً موازياً للقطاع الحكومي، واستثمار القدرات المالية لاصحاب رؤوس الأموال وتوظيفها لتحريك اقتصاد المحافظة. لافتاً الى أن، الفرص الاستثمارية المعروضة حالياً من قبل هيئة الاستثمار والتي تقدّر بنحو 150 فرصة استثمارية، مازالت تواجه العديد من العقبات التي لا تشجّع المستثمر المحلي على استثمارها وتوظيف أمواله فيها بسبب الروتين والقوانين والاجراءات الادارية المعقدة في الدوائر والوزارات والمنظومة المصرفية المتخلفة، إضافة الى الأمن غير المستقر والنظرة الشمولية لدى المسؤولين التي لا ترغب بتشجيع القطاع الخاص ليأخذ دوره الطبيعي في التنمية الاقتصادية .
تحذير من مخاطر البطالة
تقدر معدلات الفقر في محافظة ذي قار بحسب تقرير نشرته وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية في نيسان 2010 بـ 34% وهي أعلى من معدلات الفقر في عموم العراق بنحو 11%، حيث يبلغ معدل الفقر في عموم العراق وفق التقرير الذي أعدّه الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات 23 بالمئة . بهذا الشأن ذكر محافظ ذي قار يحيى الناصري لـ(المدى) إن تداعيات الوضع الاقتصادي الراهن والعجز المالي الذي تمر به المحافظة والبلاد بصورة عامة، أديا إلى شلل في العديد من المفاصل والنشاطات الاقتصادية، وانعكسا سلباً على مجمل الأوضاع في المجتمع. مبيناً إن، الأزمة المالية ونقص التمويل أثر بصورة كبيرة في تنفيذ مشاريع المحافظة، وشكّل أزمة حقيقية انعكست على مختلف القطاعات الخدمية والتنموية، ناهيك عن تداعياتها على سوق العمل وعجلة الاقتصاد بصورة عامة .داعياً: مجلس الوزراء والوزارات الاتحادية الى التسريع بمعالجة أزمة المشاريع المتوقفة وتبني حلول استثنائية لتمويل المشاريع المهمة التي بلغت نسب إنجاز متقدمة . ولفت الناصري: الى أن هناك مشاريع بلغت نسب انجاز متقدمة جداً تجاوزت الـ 90 بالمئة، وهي لا تتطلب سوى أموال بسيطة لاستكمالها .
ويعاني العراق أزمة مالية خانقة نتيجة تدهور أسعار النفط، والحرب التي يخوضها ضد الإرهاب، ما اضطره إلى اتخاذ سلسلة إجراءات تقشفية، واللجوء للاقتراض من الجهات الدولية، لاسيما صندوق النقد والبنك الدوليين.
وكان العشرات من المقاولين وأصحاب الشركات في محافظة ذي قار تظاهروا، في (26 آب 2015)، أمام مبنى المحافظة للمطالبة بصرف مستحقاتهم المالية الخاصة بمشاريع عام 2013، وفيما أشاروا إلى إن الأموال المخصصة لتمويل مشاريع المحافظة لا تغطي سوى 10% من مستحقات المقاولين، هدّدوا بالاعتصام في حال عدم الاستجابة لمطالبهم. إدارة محافظة ذي قار، حذرت بدورها من ارتفاع معدلات الجريمة بين الشباب العاطلين عن العمل، وفيما أكدت إن توقف مجمل مشاريع المحافظة، عطّل حركة المفاصل الاقتصادية والتجارية وتسبّب بتراجع فرص العمل.