هل يُعقل ذلك؟ أو من الأفضل طرح السؤال بشكل آخر: مَن سيصدق ذلك، خاصة وأن الشخص المعني، صاحب القضية نفسه لم يستطع تحمّل حقيقة ما حدث؟ ربما يمكن فهم ذلك، إذا عرفنا أن الشخص الذي فرضت عليه مهنته أن يتحول دونجواناً، أو كازانوفا، زير نساء بالأحرى، وجد نفسه فجأة ذات صباح وحيداً في فراشه، لا أحد يسكن معه في بيته، لا أحد يهاتفه، أو ينتظره خارج البيت، والأكثر من ذلك، وجد نفسه بلا عمل. الحياة الجديدة التي على البريطاني مارك كيندي تحملها، جعلته يرفع دعوى قضائية ضد رب عمله السابق، الشرطة السرية البريطانية ربما وقاية منه لكي يتفادى بهذا الشكل الدعوات القضائية التي تفكر بعض النساء المتضررات منه رفعها ضده. فحتى وقت قريب كان الشاب المعروف في أوساط اليسار الأوروبي وأميركا تحت اسم مارك ستون يصول ويجول بصفته فحلاً "يسارياً" في خدمة المخابرات البريطانية. "عملت ثماني سنوات كعميل سري ورؤسائي كانوا يعرفون مع أية إمرأة نمت، لكنهم تجاهلوا ذلك، لأنني زودتهم بمعلومات مهمة جداً. لم يفعلوا شيئاً لمنع ذلك"، صرح المخبر السري البالغ ثلاثة وأربعين عاماً من العمر للصحافة، وهو يقصد بذلك، أنهم لم يمنعوه من الوقوع في الحب ببعض أولئك النسوة التي مارس معهن الجنس! وحسب إدعائه، الأضرار النفسية التي تركتها عليه كل علاقة حب لا يمكن تعويضها، لذا يطالب كتعويض بمبلغ 124 مليون يورو بسبب أضرار جسدية!
ألم نقل أنها قصة غريبة؟ منذ عام 2002 وحتى نهاية عام 2010، العام الذي تم فيه الكشف عن عمله مخبراً سرياً، تجول كينيدي في أحد عشر بلداً أوروبياً لكي يقوم بعمليات تجسس في أوساط الحركات المناوئة للعولمة والوسط الراديكالي المحيط بها. العديد من الناشطات في الحركات تلك ومن مختلف القوميات في أوروبا وأميركا دخلن بعلاقات جنسية مع البريطاني الوسيم، الذي يقترب شكله من الغجري، مع إحداهن عاش كيندي سوياً سنوات عديدة. المرأة هذه وإثنتان أخريتان من بريطانيا، رفعن دعوة ضد الشرطة البريطانية بسبب "رِهاب عاطفي"، كما جاء في حيثيات الدعوة.
حتى ألمانيا قامت باستعارة المخبر السري البريطاني، لكي يتجسس لها في مناسبتين. المناسبة الأولى عام 2007 بمناسبة تنظيم ألمانيا لمؤتمر العمالقة الثمانية في مدينة هايلينغيندام، وفي الثانية عام 2009 بمناسبة انعقاد قمة حلف الناتو في بادن بادن. هذا ما اعترفت به السلطات الألمانية. أما في العاصمة الألمانية برلين، فلا يريد أحد تذكر مارك كينيدي جيداً، باستثناء تذكر إقامة قصيرة له في المدينة التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى مركز أوروبي، إن لم يكن مركزاً عالمياً كبيراً لحركات مناهضة العولمة.
وحسب ما صرح به المخبر العميل السري نفسه الذي كما يبدو فاق بمعاشرته للنساء، مواطنه العميل السابق جيمس بوند، إن إزالة النقاب عن عمله، حطّم حياته تماماً. "لقد فقدت وظيفتي وصديقتي وسمعتي"، كما صرح كيندي للصحافة. أحد المتخصصين بالعلاج النفسي شخّص مرضه، أو معاناته تحت اسم "رهاب لاحق بسبب اضطرابات ضاغطة". ليس ذلك وحسب، إنما هجرته زوجته التي أخذت معها طفليهما الإثنين. رغم معاناة كينيدي، إلا أنه لم يتردد من بيع قصته للسينما، كما لم يخف كيندي حنينه لصداقاته وعلاقاته الغرامية السابقة مع النساء التي تجسس عليهن!
لكن المخبر يظل مخبراً. مخبر يوم مخبر كل يوم. اليوم يعمل مارك كيندي كمستشار في شركة الأمن الأميركية دينسوس غروب. الشركة تقوم بمهمة تقديم تحليلات وحلول باحتمالات المغامرة للحكومات والشركات. على صفحة الأون لاين الخاصة بالوظائف، لا يتردد مارك كيندي عن مدح خبرته بالتجسس "في أوساط الراديكاليين اليساريين في بريطانيا، أوروبا والولايات المتحدة الأميركية". خدماته هذه يضعها تحت خدمة شركته الجديدة.جيمس بوند أطلق عليه العميل 707، مارك كيندي يجب أن يحمل لقب العميل ٍالسري: س ك س (سكس)، في هذه الحالة، ربما سيشكل ما قام به مدرسة جديدة في عالم الجاسوسية العالمي، أو ربما ولكي لا تكون قصته غريبة بعد الآن، سيطلقون عليه: جاسوس ما بعد الحداثة، على شرط أن يسير عمله هذه المرة على ما يرام!
العميل السرّي لما بعد الحداثة
[post-views]
نشر في: 17 أكتوبر, 2017: 09:01 م