افتتح مؤخراً في متحف الذاكرة وحقوق الإنسان في العاصمة التشيلية سانتياغو، معرضاً يضم عدداً من الوثائق التي تكشف عن الدور الامريكي في إسقاط الحكومة المنتخبة للرئيس سلفادور الليندي في عام 1973.يستمع الزائر لهذا المعرض الى محادثة هاتفية بين رجلين يشكوان
افتتح مؤخراً في متحف الذاكرة وحقوق الإنسان في العاصمة التشيلية سانتياغو، معرضاً يضم عدداً من الوثائق التي تكشف عن الدور الامريكي في إسقاط الحكومة المنتخبة للرئيس سلفادور الليندي في عام 1973.يستمع الزائر لهذا المعرض الى محادثة هاتفية بين رجلين يشكوان بمرارة من محاولة وسائل الإعلام الليبرالية "تزييف" الاخبارحول الانقلاب العسكري الذي أطاح بسلفادور الليندي، الرئيس الاشتراكي المنتخب لتشيلي، قبل خمسة أيام من وقت إجراء تلك المحادثة.
ونستمع لأحدهم وهو يقول "يجب أن لا يظهر أن لنا يداً في الموضوع"، فيجيبه الأخر "نحن لم نفعل ذلك". "أعني، اننا ساعدناهم فقط". جرت هذه المحادثة التلفونية في أحد صباحات يوم الأحد من شهر أيلول عام 1973، بين الرئيس السابق ريتشارد نيكسون ومستشار الأمن القومي هنري كيسنجر. كان الرجلان يناقشان ما قدموه من مساعدة للإطاحة الدموية بحكومة منتخبة ديموقراطياً في بلد يبعد 8 آلاف كم عن واشنطن.
وفرصة الاستماع إلى هذه المكالمة هي جزء من محتويات معرض "أسرار الدولة: تاريخ الدكتاتورية الشيلية"، وهو معرض يقدم للزائرين تجربة غنية لتعريفهم بتدخل واشنطن في شيلي وعلاقتها التي دامت 17 عاماً مع الديكتاتورية العسكرية للجنرال أوغوستو بينوشيه. وفي مدخل المعرض، علقت وثيقة بضوء ساطع . هي عبارة عن مذكرة رئاسية موجزة مؤرخة في 11 ايلول عام 1973، وهو يوم الانقلاب. فقراتها بارزة تماماً، وكتبت كلماتها باللون الأسود. وهناك قاعة في المعرض بإضاءة خافتة تأخذ الزوّار من خلال متاهة من الوثائق - مثل المذكرات الرئاسية والتقارير الاستخباراتية والمكالمات الهاتفية - التي تصف العمليات السرية وجمع المعلومات الاستخبارية التي قامت بها الولايات المتحدة في شيلي من سنوات حكم نيكسون وحتى سنوات رئاسة ريغان.
وقال بيتر كورنبلوه، أمين المعرض، وهو كبير المحللين في أرشيف الأمن القومي في واشنطن، ومدير مشروع توثيق شيلي، " عندما تجمع هذه الوثائق معاً". تحصل على كنز تأريخي مثير للغاية ". وأضاف "إنها تتضمن حقائق وتفاصيل غير معروفة من قبل، وقد استخدمت كدليل في محاكمات حقوق الإنسان، وهي الآن تسهم في إصدار الحكم على تاريخ تلك السنوات ".
وفي الوقت نفسه، هناك وثائق تكشف عن المراسلات السرية التي تمت لأجل منع البرلمان التشيلي من التصديق على فوز الليندي في انتخابات عام 1970 وخطط لعمليات سرية لزعزعة استقرار حكومته وتقارير عن ضابط عسكري تشيلي يطلع حكومة الولايات المتحدة على الانقلاب القادم ويطلب المساعدة.
وهناك برقية من وكالة الاستخبارات المركزية إلى ضباطها في سانتياغو بعد فشل عملية في تشرين الأول 1970 لمنع الليندي من تولي منصبه،. وكيف قامت الـ C.I.A. بتزويد منفذي الخطة بالأسلحة، مما أدى إلى مقتل القائد العام للجيش الجنرال رينيه شنايدر، وأرسلت الوكالة في وقت لاحق المال لمساعدة بعض المتآمرين على الفرار من البلاد. وقالت البرقية إن "المحطة قامت بعمل ممتاز لتوجيه التشيليين الى إدراك أن الحل العسكري هو الخيار الوحيد امامهم "، مشيدةً بالضباط، على الرغم من فشل مؤامرتهم. ولا يتضمن المعرض سوى عيّنة صغيرة من الوثائق التي بلغ عددها 23 الف وثيقة حول تشيلي والتى رفعت السرية عنها ادارة كلينتون بين 1999 و 2000 استجابة للطلبات الدولية للحصول على أدلة على جرائم بينوشيه. وقد اعتقل الديكتاتور التشيلي السابق في لندن في تشرين الاول عام 1998.
وبينما سعت عدة بلدان أوروبية أخرى إلى تسليم بينوشيه استناداً إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، قاد السيد كورنبلوه، حملة لإقناع البيت الأبيض بالكشف عن سجلات سرية يمكن أن تخدم في محاكمة محتملة ضد الجنرال. وقد صدرت وثائق عن شيلي للفترة من عام 1968 إلى عام 1991 من سبع وكالات حكومية تابعة للولايات المتحدة، وبعضها منقوص بشكل كبير، كجزء من مشروع رفع السرية عن وثائق شيلي التابع لوزارة الخارجية. وقد تم رفع السرية عن معظمها بعد شهور من عودة بينوشيه الى لندن لأسباب انسانية ولكنها جاءت في الوقت المناسب للمساهمة في التحقيقات القضائية الجديدة في شيلي.
وقد استخدمت هذه الوثائق كدليل في العديد من الاستفسارات المتعلقة بحقوق الإنسان التي شملت ضحايا أمريكيين، بما في ذلك عمليات القتل التي وقعت في شيلي عام 1973، لكل من فرانك تروغي وتشارلز هورمان؛ واغتيال أورلاندو ليتيلييه، وزير الخارجية ووزير الدفاع في إدارة الليندي، وزميله الأمريكي روني كاربين موفيت في واشنطن عام 1976؛ و اختفاء بوريس ويسفيلر في شيلي عام 1985، وهو أستاذ أمريكي؛ وقتل رودريغو روخاس المواطن الامريكى المولود في شيلي الذي احرقه الجنود التشيليون في عام 1986.
كما سلط الضوء على عملية كوندور، وهي حملة من القمع السياسي وإرهاب الدولة التي تشمل العمليات الاستخبارية واغتيال المعارضين، والتي بدأت في عام 1968 و تم العمل بها رسمياً في عام 1975 من قبل الدكتاتوريات اليمينية في جنوب القارة الأميركية الجنوبي. وتشغل احدى قاعات المعرض، عدداً من المقاعد الموضوعة حول طاولة مستطيلة وتحمل اسماء قادة المخابرات فى كل من الارجنتين وبوليفيا وباراغواي واوروغواي وشيلي الذين حضروا الاجتماع الاول لعملية كوندور. وتغطي الطاولة طبقة ترابية، وما أن يزيل الزائر التراب بواسطة فرشاة مخصصة لذلك الغرض حتى تتكشف له: أسماء ضحايا عملية كوندور، والكثير منهم اختفوا دون أن يتركوا أثراً. في مكان قريب، هناك نسخ من الصفحات الأولى من عشرات الصحف الصادرة ايام حكم بينوشيه معلقة كأنها في كشك. وقد صدرت جميعها عن مؤسسة الميركوريو الإمبراطورية الاعلامية اليمينية آنذاك، والتي تلقت ما لا يقل عن 2 مليون دولار من C.I.A.
وتعرض السجلات في المعرض أيضاً صور بينوشيه، والكثير من المعلومات عن القمع الوحشي الذي كانت ترعاه الدولة، وتفاصيل أخرى عن تخلي حكومة ريغان عن بينوشيه وتركه يواجه مصيره بنفسه في عام 1988، خوفاً من تزايد الاتجاهات الراديكالية في صفوف المعارضة التشيلية. وقال فرانسيسكو استيفيز، مدير المتحف "لقد ساعدتنا هذه الوثائق في إعادة كتابة التاريخ المعاصر لشيلي". "هذا المعرض هو انتصار لكفاحنا ضد تغييب الحقيقة، وللجهود الرامية إلى إنكار ونسيان ما حدث خلال الحكم الديكتاتوري".افتتح متحف الذاكرة وحقوق الإنسان في عام 2010 خلال الفترة الأولى للرئيسة ميشال باشيليت، ويقدم سرداً تاريخياً لسنوات حكم بينوشيه الذي استمر لمدة 17 عاماً من خلال القطع الأثرية والتسجيلات والرسائل وأشرطة الفيديو والصور والأعمال الفنية وغيرها من المواد. وقال السيد استيفيز إن حوالي 150 ألف شخص يزورون المتحف سنوياً، ثلثهم من الطلبة.وقد تبرع أرشيف الأمن الوطني بمجموعة مختارة من الوثائق التي تم رفع السرية عنها إلى المتحف قبل عدة سنوات، في حين قدمت وزارة الخارجية الشيلية نسخاً من المجموعة بأكملها. إلا أن الشيليين نادراً ما يرونها. ويقول السيد كورنبلوه."إن رؤية قطعة من الورق، تكشف على سبيل المثال كيف أن، رئيس الولايات المتحدة يأمر C.I.A. بالإطاحة بالرئيس المنتخب ديموقراطياً في تشيلي هو أمر مذهل "،. "وأهمية وجود هذه الوثائق في المتحف تكمن في أن تراها الأجيال الجديدة من التشيليين".
عن: نيويورك تايمز