ظلّت والدة الطالب ضياء خامس ابتدائي، تنتظر عودة ابنها من دوامه العصري، كون مدرستهم ثلاثية الدوام بسبب شح الأبنية المدرسية، الساعة تجاوزت السادسة وضياء لم يعد بعد، أخذ القلق يتسلل إليها حتى قررت الذهاب الى المدرسة بعد أن تأكدت من أن صديقه في الصف
ظلّت والدة الطالب ضياء خامس ابتدائي، تنتظر عودة ابنها من دوامه العصري، كون مدرستهم ثلاثية الدوام بسبب شح الأبنية المدرسية، الساعة تجاوزت السادسة وضياء لم يعد بعد، أخذ القلق يتسلل إليها حتى قررت الذهاب الى المدرسة بعد أن تأكدت من أن صديقه في الصف جارهم لم يعد بعد أيضاً، وعندما ذهبت إلى المدرسة وجدت ابنها مع طلاب شعبته محبوسين في الصف، عقوبة من الأستاذ الذي نسيهم وذهب الى البيت بعد انتهاء الدوام اليومي. وهناك واقعة مماثلة راح ضحيتها ثلاثة أشخاص بعد أن حبست معلمة أحد الطلاب حتى الليل، الأمر الذي استفز أهله وطالبوا بالثأر من المعلمة على إثر ذلك، وقعت مشادّة كلامية تطورت الى معركة انتهت بقتل ثلاثة أشخاص.
أشكال متعددة من التعنيف
وحسب مختصين، يعد العنف المدرسي من أخطر الظواهر التي تواجه الطالب في المدرسة، إذ أن العنف يؤدي الى هدر الكرامة الإنسانية للطالب، وتؤدي الى قتل الشخصية، وما فيها من بذور الإبداع والاجتهاد والذكاء وخصوصاً في المرحلة الابتدائية. فعملية الضرب بالعصا أو غيرها، لا تتماشى بأيّ حال من الأحوال مع أبسط حقوق الطالب، وعادةً ما يتم تبرير هذا السلوك بشعار «التربية» والحفاظ على سلوك الطالب من الانحراف. ولا يتوقف العنف من قبل المعلمين على الضرب، بل يمارسون عنفاً نفسياً من نوع آخر، مثل إحباط وقمع الطلبة وفرض واجبات مدرسية تفوق قدراتهم، وبهذا يكون التقدير للمتفوقين فقط، متجاهلين الطالب الذي يحتاج للتشجيع الحقيقي. ظاهرة العنف في المدارس موجودة منذ سنوات طويلة وأخذت أشكالاً ومراحل مختلفة .
التلميذة نور حسن في الصف السادس ابتدائي، سبق وأن تعرضت للعنف من قبل معلمة في إحدى مدارس حي العامل، حيث قامت المعلمة بصفعها بقوة وتوجيه كلام قاسٍ لها، وانتهت العقوبة بتحويلها الى المقعد الأخير بعد أن كانت في المقعد الأول، الأمر الذي أثار مخاوف أهلها ما تم نقلها الى مدرسة أخرى بسبب كل ذلك، أن مديرة المدرسة كلفتها بإبلاغ المعلمة الحضور الى الصف، والبدء بالدرس بدل جلوسها في غرفة الإدارة.
أما المواطن كاظم أحمد، ابنه في الصف الرابع ابتدائي، تعرض لضرب مبرح من قبل أحد المعلمين في المدرسة، بمنطقة البلديات، لأنه لم يكن يحفظ (المحفوظة) بشكل جيد، وينوّه احمد: حتى لو لم يكن حافظاً فهذا ليس مبرراً لما قام به المعلم أثناء الدرس بأبني، حيث قام بضربه بيده على ظهره وقام بركله أيضاً، مبيناً أنّ، ولده من شدة خوفه لم يبلغ إدارة المدرسة ولم يبلغني إلا في وقت متأخر في نفس اليوم، بعد عدم قدرته على كتم الأمر بسبب الألم الذي يعانيه. مؤكداً إن، ولده ظلّ متخوفاً من تكرار العنف ومتردداً من الذهاب الى المدرسة، داعياً وزارة التربية الى وضع حد لظاهرة التعنيف المدرسي..
عقوبة المعلم المعنّف
المعلم محمد حسين يبيّن لـ(المدى): أن المعلم يضطر إلى ضرب الطالب المسيئ، والذي تفشل كل محاولات إصلاحه أو دمجه في الصف، ليكون متفوقاً أسوة بزملائه الطلاب. مشيراً إلى سوء سلوك الطلبة أحيانا،ً يكون مبرراً للعنف. مؤكداً إن، المعلم يدرك تماماً أن الضرب ليس وسيلة للإصلاح، لكن في بعض الأحيان يضطر إلى ذلك، مثلما يتعامل مع أحد أبنائه. معتبراً أن هذا لا يعني أن المعلم يحمل كراهية أو ضغينة للطالب، بل هي محاولة لإصلاحه".
من جهته يبيّن المشرف التربوي علي كريم، الذي يعمل في إحدى مديريات تربية الرصافة لـ(المدى): أن هناك شكاوى ترد إلى مديريته من الأهالي "بسبب تعرض أبنائهم في المدارس الابتدائية للضرب. ذاكراً إن، بعض الأهالي يصحبون أطفالهم لمعاينة حجم الضرر الذي تعرضوا له جراء الضرب، ما يدعونا إلى استدعاء المعلم أو المعلمة ممن قام بالضرب وإحالته إلى التحقيق، ومن ثم توجه له عقوبة، منها إنذار أو توبيخ أو غير ذلك. متابعاً: حين نقوم بتوجيه سؤال للطلبة عما إذا كانوا يتعرضون للضرب، ينفون ذلك، معللاً الأمر بقوله، ربما ذلك بدافع الخوف، من أن يتوعده المعلم، أو يتحكم بدرجاته.
كره المعلمين والمدرسة
فيما أوضحت الباحثة الاجتماعية ريام محمد لـ(المدى): أن الكثير من الطلاب وبخاصة في المرحلة الابتدائية، يعانون من عنف المعلمين لهم باستخدامهم الضرب باليد وأحياناً الضرب بالعصا، اضافة الى الكلمات الجارحة التي تهين الطالب أمام زملائه مما يشعره بالخجل والتوتر والإحباط وينمو بداخله شعور (كره المعلمين والمدرسة) وهذا قد يكون سبباً لضعف مستواهم العلمي والتعليمي. مضيفة: ويبدو أن العديد من المعلمين يلجأون للضرب لعدّة أسباب، مثل اعتقادهم بفرض هيبتهم، ووجود مشاكل أسرية لديهم، فيمارسون الضرب على التلاميذ كتفريغ لهذه الشحنة السلبية، كما وتلعب الأحداث السياسية دوراً كبيراً في رفع معدلات العنف في المدارس، سواء بين الطلاب أو من قبل المعلمين.
وتشدد الباحثة الاجتماعية، على ضرورة أن تركز وزارة التربية على ضبط وسائل التربية والتعليم، وأن تفرض العقاب على مدراء المدرسة الذين يتلافون هذا العنف والتستر عليه .لافتة الى أن، على اولياء أمور الطلاب رفع شكوى عند سماعهم بمثل هذا العنف أو أي شكل من الأشكال التي تخلق لدى الطلاب خوفاً أو إحباطاً من المدرسة من أجل خلق بيئة صحية للطلبة في المدارس وإعداد اجيال تربوية طيبة تحب الخير وتعمل به.
وبشأن ما ذكر أعلاه، بينت سلامة الحسن المتحدثة بأسم وزارة التربية لـ(المدى): أن العنف مرفوض من قبل انظمة وزارة التربية سواء كانت عقوبة لفظية أم جسدية، لأن هدف وزارة التربية هو بناء الطالب، وإن الجميع معني بالطالب من أعلى توصيف بوزارة التربية، الذي هو الوزير، حتى أصغر توصيف، وهم جاءوا لحماية الطالب وخدمته لأنه محور العملية التربوية .موضحة أن، الاجراءات المتخذة بحق المعلمين أو المدرسين الذين يمارسون العنف بالتعرض الى المساءلة والإحالة الى التحقيق ويعاقب بالعقوبة التي تناسب العمل الذي قام به في إهانة الطالب .
أما بالنسبة للاحصائيات بعدد المعلمين أو المدرسين الذين قاموا بالعنف، فتقول الحسن، لا تتوفر لدينا أي احصائيات، لكن الرفض واضح من قبل الوزارة، وهناك تعليمات كثيرة نصّت على منع العنف، والتأكيد على أنسنة التعليم .متابعة أن، المعلم عندما يكون قريباً من الطالب، سوف يحبّه، بالتالي سيحب المادة والمدرسة بالتالي سوف يتفوق ولا يتسرب من المدرسة. مردفاً أن، تسرب الطالب من المدرسة، يعتبر بمثابة هدر للموارد البشرية، ونحن لا نريد لهذا المورد أن يضيع بسبب تصرف سلبي من قبل المعلم، وتضيف أن الطالب هو بمثابة أمانة ولي أمر الطالب بيد المعلم، ويجب أن يكون المعلم على قدر المسؤولية .