بغداد/ أفراح شوقيتصوير/ مهدي الخالديكانت الساعات الأربع التي قضاها الصحفي علي الخالدي متسولاً ومعتوهاً في عدد من شوارع بغداد بدشداشته الممزقة ولحيته الكثة ومشيته العرجاء كافية لجمع مبلغ أكثر من 110 آلاف دينار في ظهيرة يوم واحد وهي تساوي أجور ما يعادل أسبوعاً في وظيفته الإعلامية بدوام كامل طبعاً،
وكانت كافية أيضاً ليكتشف خفايا وأسرار عالم التسول ميدانياً بعد ان بات العلامة الفارقة لمعظم شوارعنا واطلع أيضاً على أساليب تخدير الصغار وسرقتهم للاستعانة بهم في ممارسة (الكدية) وقد تحمل لإكمال مهمته تلك ضربات وشتائم من رجال الشرطة والحرس الوطني عندما شكوا بأمره واقتادوه في سيارتهم مخفوراً حتى أعترف لهم بالحقيقة كاملة...تسول في نادي الصيد العراقي!شهدت الندوة التي عقدها نادي الصيد العراقي مؤخراً لمناقشة موضوعة تفشي ظاهرة التسول في المجتمع العراقي واعتبارها آفة يجب الخلاص منها، شهدت حضورا لافتاً للاستماع الى محاضرة الأستاذ والباحث الأكاديمي عبد اللطيف العاني عن ظاهرة التسول وبعض الدراسات الميدانية عنها، وفيها قال: التسول غدا مهنة يديرها متعهدون محترفون تدر أرباحا.. يعتاش عليها مئات الأطفال والشيوخ والنساء ويستخدم متعهدو شبكات التسول مجاميع مختارة من النساء وكبار السن والأطفال، خصوصاً المعاقين منهم، في هذه التجارة لاستمالة عطف الآخرين.واشر العاني ان هناك ممن تعود على التسول والاهانة التي تجلبها لصاحبها ان المستجدي يقع ماء وجهه عندما يتسول وهؤلاء لا يعبأون بذلك لأنهم نزعوا حياءهم، كما ان هناك علاقة وثيقة بين المتسول والمتشرد والمنحرف فثلاثتهم يصبون في بودقة واحدة، وفي بعض البلاد يعد التسول جنحة يعاقب عليها القانون، وكلمة المتشرد تعني هجر القاصر دون سن الـ18 عاماً لبيته او الأوصياء عليه ولا حرفة لديه فيعيش على المحظورات، وفي قانون الأحوال الشخصية العراقي يعد صغير السن مشرداً اذا ما وجد متسولاً او اصطنع الفقر، وبالرغم من وضوح ظاهرة التسول للعيان في العراق لكنها لا تزال ذات عوالم خفية يمكن ان تتصل بالإرهاب الذي يجد بين شريحة المتسولين حاضنة مناسبة للتدمير العقول واستغلالها حسب مصالحهم. وتشير الدراسات الحديثة، والحديث ما زال للباحث والأكاديمي عبد اللطيف العاني، إن الوراثة تلعب دورا كبيرا في نزعة التسول لدى الفرد، من باب المحاكاة والتقليد.كما ان التنافس بين متعهدي التسول وصل الى إجراء مزايدة بينهم للفوز بالأماكن السكانية المزدحمة او عند تقاطع الإشارات الضوئية او بالقرب من المراكز التجارية. ونعود الى الإعلامي على الخالدي الذي تقمص شخصية متسول ومعتوه وتجول في عدد من شوارع ومناطق بغداد المزدحمة البسيطة منها والراقية وتعرف على خفايا وأسرار هذا العالم، تقرير الخالدي حصل على جوائز عدة من بينها جائزة مهرجان الاتجاه ومؤسسة النور ومنتدى دبي للصحافة وغيرها، وعرض الشريط المصور قصة الاستعداد لتلك المهمة (الكواليس) عبر مساعدة فريق العمل وهم كل من رافد فرحان واحمد إبراهيم واحمد النادي من كادر قناة العراقية في التهيئة للمهمة وإضافة المكياج اللازم على هيئة المتسول الجديد علي والذي اخبرنا فيما بعد انه تعمد ان لا يغتسل لثلاثة أيام قبل بدء المهمة كي يكون أداؤه مقنعاً ويكون متسخاً بما يكفي! ، وسألنا علي عن المواقف التي حصدها خلال تنفيذه الفكرة فقال: تعمدت ان التواجد في المناطق التي لا يتعهدها احد المتسولين كي امارس عملي بحرية، وتحرشت بقوات الشرطة التي لم تعترض على عملي سوى سيطرة واحدة شكت بأمري كوني شاباً ومتعافياً كما قالوا لي وهم يقتادوني الى مركز الشرطة ونلت منهم وانا ادافع عن نفسي بعض اللكمات والضربات التي تغاضيت عنها لاسجل عندها كل ما يقولونه لي عبر كاميرا ومسجل صوت صغير كنت اخفيه في جيبي! وتعمدت ان اتجول في متنزه الزوراء لا ضايق العشاق واظل مرابطاً لهم حتى ينفحوا لي من جيوبهم المقسوم! ونلت منهم كلمات وشتائم لا تصلح للنشر هنا! ومن المفارقات ان جماعات من المتسولين لا اعرف من اين اتت طلبت مني بتهديد ووعيد ان اتخلى لها عن المكان وابحث عن مكان اخر لانها تخصهم وكان ذلك في منطقة زيونة. وهناك عرفت من احاديث الشحاذين ان موجة الخطف والقتل طالت متعهدي شبكات التسول بسبب التنافس على استخدام الأطفال وبشكل خاص المعاقين منهم كونهم يجلبون ربحاً اكثر. وقد تلقيت عرضاً من احدى الجماعات ان انتمي لهم وهم يوفرون لي الحماية الكاملة مقابل ان ادفع لهم الفي دينار شهرياً.وتعرفت على نساء يمتهن أيجار الأطفال من مناطق متعددة ليستخدموهن في التسول وهناك من المتعهدين ممن يقوم بطرد المتسول الكسول الذي لا يجلب مبالغ مغرية.
خـفـايـا عـالـم الـمـتـسـولـين والـمعتـوهـين

نشر في: 28 فبراير, 2010: 06:06 م