بعد تجريف آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية وتحويلها الى بيوت ومحال تجارية، يمكننا القول بأن نصف المنازل في قضاء ابي الخصيب وشط العرب ومناطق أخرى من البصرة غير مسجلة في دوائر الطابو، لكنّ ساكنيها يتمتعون بالكهرباء بحسب الأصول، أي أنهم وبالتنسيق مع المقاول والجهة الرسمية في دائرة الكهرباء نصبوا الاعمدة وربطوا منازلهم بالشبكة الحكومية، لكن بدون مقاييس لقراءة الوحدات، لذا فهم لا يدفعون المبالغ الشهرية، للسبب هذا، لكن، مديريات الكهرباء قامت مؤخرا برفع المحوّلات الكهربائية في المناطق تلك، في طريقة جديدة شملت المشتركين الرسميين وغير الرسميين من أجل ارغامهم على تسديد الفواتير، وهو إجراء يبدو معقولا، لكن المتضرر الحقيقي والأول هم السكان من الذين يمتلكون في منازلهم عدادات أصولية ومسجلين لدى الدوائر هذه.
الفساد الذي نخر وزارة الكهرباء خلال الـ 15 سنة الماضية وأودى بقرابة الـ 100 مليار دولار وهروب عشرات الموظفين اللصوص بالمال خارج العراق وسوء إدارة المحافظات والسكن العشوائي والنزوحات الكبرى التي اجتاحت البصرة طوال السنوات الماضية وأسباب أخرى لم يتسبب بها المواطن البسيط، لذا، لا يمكن أن يكون ضحيتها بشكل او بآخر، وليس من حق وزارة الكهرباء معاقبة المواطن الملتزم بدفع مستحقاتها المالية بالطريقة التعسفية هذه.
في جانب ثان، هنالك شعور بالغبن الواضح مفاده أن المشترك الأصولي الذي ظل يسدد فاتورة الكهرباء أصبح يتساوى مع المتجاوز على الشبكة، فكلاهما يتمتعان بالكهرباء ويتنعمان بالضوء والتبريد والتدفئة، لكن هذا يتمتع ويسدد وذاك يتمتع ولا يسدد !! الأمر، الذي جعل من الأول يتلكأ في الدفع بما راكم المبالغ عليه، حتى بلغت المليون والمليونين والثلاثة فيما سلم الثاني من الدفع والمحاسبة. ولم يتوقف الأمر عند الحد هذا، بل أن دائرة الكهرباء في البصرة عجزت عن قطع التيار عن عشرات المعامل والفنادق والشركات الأهلية وبيوت النخب من الذين تجاوزا على الشبكة بأكثر من خط سريٍّ، وقد كشفت لجنة تشكلت مؤخراً عن تجاوزات لا حدود لها من قبل إدارات فنادق الدرجة الأولى والمعامل والشركات الاهلية والبيوت الفارهة الكبيرة.
ما تقوم به دائرة الكهرباء من رفع المحولات عن عدد من المناطق وبما أدى الى حرمان الناس من الكهرباء إجراء يعاقب الجميع، بسبب خلل في عملها، الأمر الذي جعل من السكان المتضررين(مشتركين وغير مشتركين) يقومون بتهديد الدوائر تلك ومن ثم إرغامها على إعادة نصب المحولات، إذ أن النزاع بين الدائرة والمتضررين في النهاية سيتحول الى خصومة حدودها خارج أطار الدولة، هي بين موظفين مأمورين وأشخاص متضررين، فالموظف مواطن وصاحب السكن مواطن أيضا لكن الدولة غير قادرة على حماية موظفيها من غضب جماعة لا تلتزم بالقانون في دولة تجاوزت القوانين قبل المواطن نفسه، إذ انها هي التي سمحت بتحويل آلاف الدونمات تلك الى مساكن وعشوائيات وبذلك هي من خلق الأزمة لذا عليها تحمل تبعات ما جنت لا المواطن المسكين.
كهرباء بلا حدود
[post-views]
نشر في: 17 أكتوبر, 2017: 09:01 م