اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > عمارة متحف التاريخ الطبيعي.. التعبيرية بصفتها "هاجساً" تصميميّاً

عمارة متحف التاريخ الطبيعي.. التعبيرية بصفتها "هاجساً" تصميميّاً

نشر في: 21 أكتوبر, 2017: 12:01 ص

 من ضمن مقاربات المشهد المعماري العراقي، وتنوع أساليبه، نلحظ، أحياناً، ثمة اهتمامات معينة، أولى المعماريون العراقيون لها (وخصوصاً الروّاد منهم)، اعتناءً زائداً في منجزهم الإبداعي. وقد طبعت نوعية تلك الاهتمامات مسار المنتج التصميمي لأولئك المعمار

 من ضمن مقاربات المشهد المعماري العراقي، وتنوع أساليبه، نلحظ، أحياناً، ثمة اهتمامات معينة، أولى المعماريون العراقيون لها (وخصوصاً الروّاد منهم)، اعتناءً زائداً في منجزهم الإبداعي. وقد طبعت نوعية تلك الاهتمامات مسار المنتج التصميمي لأولئك المعماريين بطابع خاص، يمكن به الاستدلال على شخصية المعمار والتعرف على مقاربته التصميميّة.

 

ومن ضمن تلك االاهتمامات، التي حرص المعمار "قحطان المدفعي" (1927) <الذي تحتفي الأوساط الثقافية والمهنية خاصةً "بتسعينيته" هذا العام>، أن تكون حاضرة في نتاجه التصميمي، نوعاً خاصاً من "التعبيرية" المعمارية، التي لطالما وسمت منجزه المعماري، بنكهة جمالية مميزة، ومنحتها خصوصية فنية واضحة. وإذ نشير الى هذا، فإننا نعي بأن سمة "التعبيرية"، قد لا تتواجد دوماً بكل خصائصها المعروفة، في الحلول التكوينية المجترحة من قبل المدفعي. لكن ما نشاهده وما نتلمسه في غالبية منتج هذا المعمار العراقي الرائد، نزوعه الواضح في أن تكون تصاميمه المنفذة تعبيراً لتلك الخاصية التكوينية وإظهاراً لها. في احيان (في احيان عديدة!)، نشعر، نحن متلقي منجزه اتصميمي، بأن غلبة حضور هذا التوق لدى المعمار، يكاد يرتقي ليكون "غاية" التصميم، ومبتغاه؛ ما يجعل منا (من متلقي) عمارته المنجزة في حيرة من أمرنا، عن جدوى الامتثال بهذا الشكل، أحياناً، وبمثل تلك الصيغة الملحاحة لهذه المقاربة التصميمة والخضوع لها، بل وثمة تساؤل مشروع ينبثق عن تلك الحالة، يراد به إدراك جدوى ومنفعة ذلك المسار ومدى فائدته في التكوينات المقترحة من قبل المعمار؟ ومع هذا، مع كل هذه التساؤلات المثارة، فإن ما يمنح تلك التصاميم "المدفعية" خصوصيتها، ويكسبها تفرداً استثنائياً، هو ذاته: ذلك التوق التصميمي، الطامح ليكون عنوان الحل التكويني للمبنى، والساعي الى تفرد مقاربته المعمارية.
تمثل عمارة مبنى "متحف التاريخ الطبيعي" (1971 - 1976)، الواقع في منطقة الوزيرية ضمن المجمع التعليمي في باب المعظم، أحد التصاميم المعبّرة عن نهج المعمار "قحطان المدفعي" في تطلعه الواضح لأن تكون السمة "التعبيرية"، أهم خصائص الحل التكويني – الفضائي للمبنى. إذ تتجلى في عمارة مبنى المتحف، بشكل واضح، مفردات تلك السمات التعبيرية، الأثيرة لدى المعمار. وقد أشرت يوماً، في دراسة عن عمارة المدفعي، انجزتها عام 2007، من أن عمارة المتحف إياه، مبنية"... على اقتناص <لحظة التعارض> وتكريسها في الحل التكويني". فمبنى المتحف، المنطوي تكوينه على حضور قسمين أساسيين، وهما القسم الأسفل المتسمة هيئته على بساطة هندسية والقسم الأعلى الغاص بالأشكال الديناميكية التي تمثل سقف المبنى.
فالأسفل يتشكل من امتداد أفقي لكتلة مصمته خالية من أية فتحات، عدا "كسرة" فتحة المدخل الرئيس. في حين أن الأعلى، يمثل "المكان" المحبّب لدى المصمم الذي يجعله زاخراً بالأشكال ذات الهيئات الغريبة والمتضادة مع مفردات القسم الأسفل. ومن هنا "تحضر" تلك التعبيرية الآسرة، التي تمنح عمارة المبنى "فورمها" المعبر، الذي لا ينسى! فهنا تغدو "فتحات" النوافذ غير العادية، وكأنها فتحات "خارج" مكانها، مشكّلة بحركة ايقاعها المتناوب، وهيئتها الغرائبية المتموجة ذات "القطع الزائد " Hyperbolic تشكيلاً واجهاتياً لافتاً، قلّما يمكن أن يرى في واجهات المباني الأخرى!
لكن "ضربة" التكوين، والحدث الأهم في عملية "تخليق" المفردات التصميمية، تبقى في منطقة المدخل، الذي فاجأ المعمار متلقي مبناه، في اختيار "كسرة" بسيطة، مكاناً له في امنداد الجدار الأفقي المحيط باحياز المبنى،. بيد أن قرار "تواضع" توقيع المدخل وعدم الاهتمام به تصميماً على المستوى الواجاهاتي، لم يكن أمراً تلقائياً أوعفوياً، بقدر ما كان أمراً مقصوداً ومتعمداً، كي يمكن بلوغ اقصى ما يمكن من حالة إدهاش المتلقي، والتشديد على حضورعنصر المفاجأة!. ذلك أن ثمة "أحداثاً" ممتعة، وشيّقة، وغير متوقعة، سيصادفها المتلقي أو زائر المتحف، بمجرد عبوره "خندق" المدخل الضيق، في "سيناريو" تصميمي مشغول بحنكة وبمهنية عالية، وزاخراً بالأحداث. إذ سيصادف في مساره وجود "ساحة داخلية دائرية" Rotunda ، تنبثق، فجأة، بمجرد اجتياز الزائر لخندق المدخل القصير. ويحيط بهذه الساحة الوسطية من جميع الجهات احياز المتحف المختلفة، بضمنها مدخل الى قاعات المتحف. لكن الحدث الأهم في هذا المكان، يسحبه اسلوب تسقيف هذة "الروتندا". فثمة "حلقات" دائرية خرسانية بمحيط يكبر كلما ابتعدنا عن المركز (أو منتصف الساحة الدائرية)، معلقة في الهواء بواسطة اضلاع كونكريتية، ترسم بشكلها التجريدي "لوغو" Logo شعار المتاحف الطبيعية، والذي أصر داعم المتحف أن تتواجد في التصميم المقترح! يرفع المعمار مستوى الحلقات الدائرية عن منسوب سطح السقف، للتأكيد على "طوفان" الحلقات الخرسانية في الفضاء المحيط، كاسباً في هذه المعالجة مزيداً من الاثارة الى مفردات واجهة المبنى الرئيسة. ثمة كتلة فرتكالية، ذات معالجة خاصة لجدرانها المصمتة، ترى على يمين الداخل، استثمر المعمار وجودها لإغناء الحل الفضائي- االتكويني لمبناه، حتى لا تقتصر المعالجة الكتلوية لمبنى المتحف على مجرد كتلة أفقية ممتدة. وكل هذا ساهم في أن تكون عمارة متحف التاريخ الطبيعي، أحد الأحداث المهمة واللافتة ضمن شواهد البيئة المبنية المجاورة، التي اغتنى موقعها بإضافات مهمة من انجاز معماريين عراقيين كثر كمبنى "مصلحة التبوغ " للمعمار رفعة الجادرجي الواقع غير بعيد عن موقع المتحف، ومبنى كلية التربية لمحمد مكية القريب منه، وكذلك مبنى القسم الداخلي للبنات للمعمار قحطان عوني، فضلاً عن مبنى كلية الصيدلة للمعمار هشام منير. وجميعها متقاربة فيمـا بينها ولا تبعـد كثيراً عن مبنى المنحف .
ولد "د. قحطان حسن فهمي المدفعي" عام 1927 ببغداد، وانهى تعليمه المعماري بسنة 1952 في كارديف/ المملكة المتحدة،. عاد بعد تخرجه مباشرة الى العراق، ليمارس مهنته المعمارية، مؤسساً لاحقاً، مكتب "دار العمارة"، مثرياً البيئة المبنية المحلية بتصاميم عديدة، اعتبر بعضها محطات مهمة في مسار عمارة الحداثة بالعراق. صمم دور موظفي مصفى الدورة (1952)، ودور شركة المنصور (1955)، وجامع ست نفيسة بالكرخ (1954)، وجناح العراق في معرض دمشق الدولي (1957، وفي 1958)، ومصرف الرهون ببغداد (1957) <بالاشتراك مع عبد الله احسان كامل>، ومبنى السامرائي بالقرب من سوق الصدرية (1958)، كما صمم حديقة الجوادين بالكاظمية (1959)، وحدائق الأوبرا 1962-65)، وجامع بنية بالكرخ (1965-75)، ووزارة المالية (1978)، والكثير من المشاريع الأخرى. نعرف، أيضاً، بأن المدفعي"متورط " بالحداثة ، كمبدع له حضوره المميز في نتاج اجناس ابداعية اخرى غير المعمارية، فهو رسام جيد، وشاعر غير عادي، ومثقف رفيع الثقافة، واكاديمي كفء، ومحدث لبق، ودائم الدأب في الحصول على المعرفة (وليس من دون مغزى، انهماكه في الدراسة مجدداً، ومن ثم نيله، عام 1984 من مدرسته المعمارية الأولى، شهادة الدكتوراه بالعمارة، بعد 32 عاماً من تأهيله المهني الأول!).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram