اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > متحف الزجاج

متحف الزجاج

نشر في: 20 أكتوبر, 2017: 09:01 م

وضعت حقائبي وسط صالة البيت الذي سأقضي فيه عشرة أيام في حي (سان فيليب نيري) وسط مدينة ملقا، جنوب إسبانيا، والذي استأجرته من ايرلندي اسمه غاري، يعيش على أطراف ملقا، ويؤجر بيته الثاني هذا للسيّاح الراغبين بقضاء بعض الوقت بين احضان هذه المدينة التي تغفو على الساحل الدافئ للبحر المتوسط. فرشت خريطة المدينة على الطاولة، باحثاً عن اقرب مقهى أو متحف لقضاء ما تبقى من ساعات النهار، فالتمع على الخريطة متحف الزجاج، الذي يقع في الشارع المحاذي لبيتي. طويت الخريطة بسرعة وخرجت، لأجد نفسي بعد ثلاث دقائق أمام المتحف الذي هو عبارة عن بيت كبير يعود طراز بنائه للقرن الثامن عشر.
حين هممت بتفحص المكان ورؤية المعروضات، أشار الشاب الذي قطع لي تذكرة الدخول بأن نظام المتحف يقضي بأن يقوم الرجل الذي يملك المتحف باصطحاب الزائرين على شكل مجموعات في جولات متتابعة لرؤية المحتويات والحديث عن الكثير من التفاصيل. كان الرجل مشغولاً مع مجموعة من الأشخاص (تبيّن لي فيما بعد أنّهم خمسة اشخاص بولونيين وزوجان بريطانيان) وحين رآني الرجل عن بعد، طلب مني الانضمام الى المجموعة وأخبرني بأنّه سيصحبني أيضاً فيما بعد الى المعروضات التي فاتتني. عرفت من صاحب المتحف الذي تجاوز الثمانين من العمر بأنه ولد في مدريد ودرس (المصريات) في كامبردج، وهو قد أضاف الأموال التي حصل عليها من اعماله الخاصة الى ما ورثه من عائلته الغنية، ليؤسس هذا المتحف الجميل الذي وضع فيه كل شغفه وحبه لأعمال الزجاج والكريستال ويبني عالمه الخاص الذي يستمتع بالتجوال فيه مع الزائرين. وبعد انتهاء العمل يصعد في السادسة مساءً الى الطابق الثالث الذي يعيش فيه، ليقضي مساءه بهدوء، وهو يُقَلَّبُ في ذهنه افكاراً جديدة لليوم التالي.
المتحف يحتوي على ثلاثة آلاف قطعة نادرة من فترات وعصور بعيدة ومتفاوتة. فإضافة للزجاجيات التي تعود لمصر القديمة وكذلك للقرون الوسطى، فهناك اعمال رومانية واغريقية وبيزنطية وإسلامية و (ماقبل الروفائيلية)، وقد نُفِّذَتْ أغلب الأعمال بتقنيات مذهلة ونادرة، ومنها تقنية (كامي) التي نفذت بها بعض الأعمال الانكليزية من القرن التاسع عشر، وهي تقنية الحفر على الزجاج وإلغاء جزء من الخلفيات لتبدو الأشكال والشخصيات وكأنها عائمة أو بارزة. بعد قليل من التجول بين التماعات الزجاج وسحره، وقفت أتأمل عملاً كبيراً للفنان وليم موريس، وهو بارتفاع ثلاثة أمتار ويعود الى ماقبل الروفائيلية وقد نَفَّذهُ الفنان بالزجاج المعـشق بالرصاص. شعرت أن الاضاءة التي تنبعث من خلف العمل تعطيه نوعاً من السحر والسكينة، فاقترب مني العجوز ليخبرني بأن هذا العمل الفريد قد حصل عليه من كنيسة قديمة في ايرلندا، كانت مهملة ولم تعد كنيسة على حد قوله، وقد حطم أولاد القرية شبابيكها بالحجارة، وقد حمى أحد الاشخاص هذا الشباك أو هذه اللوحة، ورأى أن متحف الزجاج هو المكان الأنسب لعرضها، وهكذا تم انتقالها الى هنا لتأخذ مكانها المشع بالضوء والاهتمام والتقدير.
في الباحة الخلفية للمتحف صعدنا ببطءٍ درجات السلّم العريضة المغطاة بأحجار وتزجيج ملون، ما جعل خطواتنا اكثر خفة، لنصل الى صالة يدخلها الضوء الملون من خلال شبابيكها المصنوعة من الزجاج المعشق بالرصاص، وعلى رفوفها اعمال فنية مصنوعة بتقنيات زجاجية مختلفة وبألوان تتداخل مع بعضها لتخلق سمفونية من الزجاج.
مدهش حقاً أن يصحبني صاحب المتحف بجولة نادرة وهو يتحدث بحماس وجاذبية مع بعض الدعابة التي يضفيها على المعلومات المدهشة التي يمتلكها حول الزجاج وفنونه وتقنياته، هذا الرجل العجوز يحمل روحاً شفافة مثل شفافية القطع الزجاجية الثمينة التي يحتويها متحفه النادر. وأنا أهمُّ بالخروج، شكرته كثيراً، ثم نظرت الى إنعكاس وجهي في المرايا والزجاجيات الملونة التي وضعت بعناية فائقة، وجهي الذى بدا متحركاً مثل لوحة لفرانسيس بيكون. ضحكت في اعماقي ووضعت قدمي على العتبة، لأخرج وانا افتح الخريطة من جديد، باحثاً عن أقرب مقهى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram