TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحرب: عنف القول.. هيمنة التوحّش

الحرب: عنف القول.. هيمنة التوحّش

نشر في: 21 أكتوبر, 2017: 09:01 م

ترى من يدفع بالناس إلى طريق الدم بدل سبل الحوار والحب والأمل؟
هل هي جريمة الساسة؟ أم تراها الأيديولوجيات العمياء التي دجّنت عقول البشر وحوّلتهم إلى روبوتات تردد مقولات مفارقة لطبيعة حياتها وآمالها؟ أم هو تردي أوضاع الاقتصاد وتفاقم الفقر والظلم وسطوة الجهل؟
لقد غاب الوعي عندما أسلمت الجموع مصائرها لقادة التجهيل، واحتجزت ملايين البشر في زنزانة التلقين الإعلامي، وتخدرت العقول بما تبثّه التلفزة وبما تفضي إليه وسائل التواصل الإلكترونية من إدمان على تفاهة القول وعنف التعامل.
العنف يغرق بلادنا ويلوثها بدماء الكراهية، فمتى يفتح العراقي نافذته وأحلامه على أفق يهدهده الأمان الجميل واللغة المسالمة؟ متى تستعيد الجموع وعيها المُغَيّب لتمحو من لغة التعامل مفردة الحرب والدم.
كلما غاب الوعي خوت الرؤوس وصارت مرتعاً لكل التفاهات وتهيأت لاحتضان جنون العنف وخمدت طاقة اللغة وعجزت عن استنهاض الوعي وإدارة الحوار، وكلما لجأ الناس إلى العنف في القول والسلوك اليومي، فإنهم يعترفون بهشاشة وعيهم وعجز لغتهم وانحرافهم عن سبل التأنسن فيعودون إلى أسلافهم الصيادين المتوحشين كائنات الكهوف.
يعطّل العنف المتصاعد القوة الكامنة في اللغة والكلمات ويستبعد أهمية تداول اللغة في إدارة الحوار بين البشر الأسوياء ويدمر إمكانات التفاهم بين البشر، وكلما تعطّلت طاقة الحوار هيمن العنف على المشهد لأنه خيار العاجز ووسيلته لحل مشكلات الوجود مما يستدعي تجييش القوى الضارية الراقدة في أعماق الإنسان وإيقاظ الوحش الكامن فيه. يستدعي التحرر من أشكال العنف، تجديد اللغة وتحريرها من مفردات العنف التي استمكنت فيها خلال العصور بفعل عقائد معينة وتقاليد ثأر وعادات قبلية بائدة وأعلام تحريضي، فتمترست في العقول بعون من وسائل الاتصال وسرعة وصول المعلومة والصور الدموية ومشاهد القتل المتفاقمة التي أضحت زاداً يومياً لمشاهدي التلفزة ومدمني وسائل التواصل.
العنف يتعاظم عند تعاظم عسكرة المجتمع وتجهيله وإشاعة النزعات القومية العنيفة والدينية المتعصبة والعرقية وإحياء الطقوس الدينية الدموية التي تجعل تعذيب الذات مدخلاً لممارسة العنف على الآخر، وتسهم مفردات مناهج التعليم عموماً في وضع العنف موضع التبجيل والتقديس كعنصر من عناصر الدفاع عن الأمة ونقائها ولا نجد في مفردات دروس اللغة العربية في بلداننا - بخاصة في المراحل الثانوية – سوى القصائد والنصوص التي تعجّ بمفردات الموت والمشانق والمنايا والغزو وتدمير الأعداء وسحق الرؤوس وباقي المفردات التي تتحدث عن الفداء والمقابر والأكفان والطعنات والردى.. وتبعاً لهذا النهج يجري استبعاد كل نصّ أو بيت شعري فيه غزل رقيق أو مشاعر إنسانية رفيعة أو عواطف وأحاسيس ترهف الذائقة وتهذب اللغة وتمنح الطالب متعة وتخصب خياله بالصور الجميلة وتعزز قدراته التعبيرية وإنسانيته، لذلك نجد الكثير من الأجيال الشابة تفتقر إلى مهارات الكلام الشيّق اللطيف، وتعجز عن التعبير الطليق، لأنها لم تتدرب أساساً على التفكير الحر الذي يرتبط به غنى اللغة وتنوع مفرداتها، فقد جرى تلقين الأجيال تلك المعلومات الجافّة والمادة الدراسية الميتة التي تقحم قسراً إلى عقولها الفتية؛ فنشأت أجيال منزوعة الإرادة تفتقر للقيم الإنسانية الجميلة، أجيال ترعرعت على قيم الثأر وقطع اللسان، إذا بادر أحدهم ونطق أو عارض رأياً أو تمرد على خرافة سائدة أو ثأر على تفاصيل الحياة التي قنّنها كهنة السياسة وحرّاس الفضائل الزائفة، فاتجه هذا الجيل المدجّن إلى ممارسة العنف لعجزه عن التحاور واعتناق السلام، روّضوه على التماثل والطاعة المطلقة وحرمة الاختلاف عن القطيع، فعجز عن الارتقاء بإنسانيته وتلبث في توحّشه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram