adnan.h@almadapaper.net
ما عادت البصرة مخنوقة بالصحراء، وما عاد ليل صحرائها بهيماً.. هذه الصحراء انبثّت فيها الآبار التي تترامى على مدّ البصر في صحراء البصرة، ومن الطائرة الواصلة الى البصرة مساء تبدو صحراء البصرة منوّرة بالشعلات المتوهجة المنبثقة من هذه الآبار، النفطية.
أنت تمشي في شوارع البصرة ودروبها يعني أنك تتنقّل بقديميك على بحر من النفط، بيد أنك لا ترى ولا تلمس أثراً للثروة الكتنزة تحت رمال البصرة.
البصرة ما عادت هي البصرة التي تعرف، فلا شطّ العرب هو شطّ العرب الذي كان، ولا النخيل الذي يمتّد غابات مكتظّة على ضفتي الشطّ هو النخيل الكثيف الذي كان، ولا في البصرة التمر الذي كان، ولا العشّار هو العشّار الذي كان، ولا ساحة سعد هي ساحة سعد التي كانت، ولا ساحة أم البروم هي ساحة أم البروم التي كانت، ولا جزيرة السندباد هي جزيرة السندباد.
ليست البصرة الآن سوى بلدة لا تنتمي إلى جغراقية مدينة البصرة، ثغر العراق الباسم ودرّة الخليج، ولا إلى تاريخهاالعريق الزاهر.. بلدة مهملة، النفايات لم تترك متراً مربعاً واحداً من شوارع البصرة وساحاتها وأزقتها إلا وبلّطته بأكوامها.. الجمال الذي كانت عليه البصرة لم يخلّف أي أثر .. الكورنيش الذي كان قبلة العائلات في الليل وفي النهار تزدحم مطاعمه ومقاهيه بروّادها ما عادت العائلات ترتاده إلا نادراً .. ليس هنا سوى مجموعات صغيرة من الشباب العاطل عن العمل، تدخّن الأرجيلة والحشيشة القادمة من إيران (يقول مرافقي إن الجانب الآخر من البصرة (الشرقي، التنّومة) يتعاطى فيه الشباب المخدّرات العابرة هي الأخرى من إيران مروراً بالمنافذ الحدودية الرسمية وغير الشرعية.
لا تسأل عن الحدائق، ولا عن دور السينما والمسرح، ولا عن الأندية الاجتماعية والرياضية التي كانت البصرة تحفل بها، فهذا كله صار من ذكريات الماضي البعيد.
كان يُمكن للبصرة أن تكون تاج رأس الخليج، لكن ما بينها وبين مدن الخليج الأخرى حضارياً سنوات ضوئية، فالبصرة مُبتلاة بتيجان رؤوس كثيرة،إسلامية، كلٌّ منها ينهب من ثروة البصرة ما استطاع إليها سبيلاً، وسبل النهب من ثروات البصرة، النفط والموانئ والمنافذ الحدودية، كثيرة ومتنوعة، أكثر من أحزابها الإسلامية المتنافسة على ثرواتها وتخصيصاتها في الموازنة.
"الجسر الإيطالي" على شطّ العرب هو الشيء الوحيد الجديد المميّز في البصرة.. صديق بصري يستدرك، وهو يتحدث عن الجسر، بالقول إنه مشروع غير مكتمل إذ لم تجرِ بعدُ عملية التسلّم والتسليم بين الشركة المنفّذة ومحافظة البصرة لعدم دفع مُستحقات الشركة. أضاف الصديق إن محافظ البصرة السابق الفارّ هرباً من تهمة فساد إداري ومالي بقيمة 53 مليار دينار، استخدم هذا الجسر يوم افتتاحه غير الرسمي للفرار باتّجاه إيران!
مختصر مفيد، البصرة بلدة موحشة، كئيبة، حتى في النهار... لو لم تكن تعرفها لاستحال عليك التصديق بأن معظم ثروة نفط العراق توجد هنا وتمرّ من هنا الى العالم.
هي، إذن، بصرة الإسلام السياسي التي لا تشبه البصرة التي كانت حتى في الفترة العثمانية المظلمة... هي البصرة التي لا تسمع فيها الآن أغنية كل العراقيين الأثيرة عنها:
أحيا وأموت في البصرة خلّت بقلبي حسرة .
جميع التعليقات 1
بغداد
استاذ عدنان حسين والله حزنت كثيراً عندما نقلت لنا واقع البصرة اليوم 21/10/2017 فعلاً مأساة لأن الصورة واضحة كما نقلتها وانت شاهد عيان يا للهول على ما نسمع ونرى في عراق غرق في بحر الظلمات بعد سنة الغزو سنة الدمار الشامل ٢٠٠٣ اغرقوه الأحزاب الفاشية المذهبية