الفلامينكو، الخضيري، دجاج الماء، الكوشر، الغوصي، الحذاف، أبو زلة، جميع هذه الطيور المُهاجرة إلى مناطق الأهوار الجنوبية معرضةٌ للإبادة بشتّى طرق الصيد من الأسلحة النارية إلى السموم والمبيدات والشِراكْ، ورغم ما تضيفها هذه الطيور من ثروة إلى الأهوار الت
الفلامينكو، الخضيري، دجاج الماء، الكوشر، الغوصي، الحذاف، أبو زلة، جميع هذه الطيور المُهاجرة إلى مناطق الأهوار الجنوبية معرضةٌ للإبادة بشتّى طرق الصيد من الأسلحة النارية إلى السموم والمبيدات والشِراكْ، ورغم ما تضيفها هذه الطيور من ثروة إلى الأهوار التي يفترض أنّها محمية طبيعية، إلّا أنّ الذي نشاهده ونتلمسه، تعرض هذه الطيور المُهاجرة إلى شبه إبادة...
مجاميع للإجهاز على الطيور
جمعية الصيادين في هور السناف بمحافظة ذي قار، كشفت عن وجود مجاميع من الصيادين تتأهب للإجهاز على الطيور المُهاجرة حال بدء موسم وصولها من الدول الأوروبية إلى مناطق الأهوار نهاية الشهر الحالي، وذلك باستخدام الصيد الجائر والسموم والمواد الكيمياوية، داعيةً الى تشكيل غرفة عمليات في مناطق الأهوار للحدّ من مظاهر الصيد الجائر للأسماك والطيور.
يقول رئيس جمعية الصيادين في هور السناف، ناجي أرحيم أبو تلف السعيدي لـ(المدى) إن مجاميع من الصيادين والأهالي يتهيأون حالياً في مناطق الأهوار لاصطياد الطيور المهاجرة بمادة الخردل السامّة ومواد كيمياوية وشباك كبيرة، وكما حصل في العام الماضي. مشيراً الى أنّ، هذه المجاميع تتوزع على هور السناف وهور الحمار الغربي وهور أم الطيار وهور أبو حديدة وهور الجرباسي وهور وحيحه ومناطق أخرى في أهوار قضاء الجبايش. مؤكداً إنّ، تلك المجاميع متهيئة حالياً للإجهاز على أسراب الطيور المُهاجرة حال وصولها إلى مناطق الأهوار العراقية في نهاية شهر تشرين الأول الحالي، قادمة من الصين وروسيا والبلدان الأوروبية الباردة . ويشير السعيدي، إلى أن أبرز الطيور المستهدفة تتمثل بدجاج الماء والغرنوك (الفلامينكو) والخضيري والكوشر والغوصي والحذاف وأبو زلة .مقترحاً: تشكيل غرفة عمليات خاصة في مناطق الأهوار تتولى معالجة مظاهر الصيد الجائر للطيور المهاجرة والأسماك، مشترطاً أن تضمّ عناصر نزيهة، وأن تُدعم بصلاحيات واسعة من قبل رئاسة الوزراء والمرجعية الدينية، لتتمكن من التخلص من مظاهر الصيد الجائر، داعياً، الى التعامل مع القائمين بالصيد الجائر كإرهابيين .لافتاً الى أن، عمليات الصيد الجائر تحصل أمام أنظار المؤسسات الحكومية ويجري التغاضي عنها، منوهاً الى أن، قانون منع صيد الحيوانات والطيور رقم 17 لسنة 2010، رغم وجوده، لكن لا يجري تنفيذه على أرض الواقع بصورة تحدّ من هذه الظاهرة .
حماية البيئة لم ترصد الصيد بالسموم
وبشأن الإجراءات الأمنية التي تتخذها القوات الأمنية والمتمثلة بشرطة حماية البيئة، أكد مدير مركز شرطة حماية البيئة العقيد رشيد عبيد جاسم لـ(المدى) استخدام الصيادين مادة الخردل ومادة النيكوز السامّة في عملية صيد الطيور وإبادتها لتحقيق المزيد من الأرباح، مبيناً أنّ، مادة النيكوز هي من المبيدات الزراعية. مردفاً: غير أنّ مركز شرطة حماية البيئة في ذي قار، لم يرصد صيد الطيور بالسموم أو المبيدات خلال الموسم الحالي، مرجحاً، حدوث هكذا حالات في المحافظات الأخرى أو في الموسم السابق.
ويسترسل جاسم، أنّ صيادي الطيور المهاجرة، غالباً ما يقومون ببيع الطيور على الطرق الخارجية المتاخمة لضفاف الأهوار والتي تكون بعيدة عن أنظار القوات الأمنية. مستهجناً انتشار حالات صيد الطيور بالبنادق في أعماق الأهوار .كاشفاً عن خطة وتنسيق مع شرطة قضاء الجبايش لنشر الوعي المجتمعي حول مخاطر الصيد الجائر، وكذلك لمنع الاتجار بالطيور ونقلها الى خارج القضاء المذكور من خلال تفعيل دور السيطرات الداخلية والخارجية وإحالة المتورطين بالصيد الجائر إلى القضاء.
ويؤكد مدير مركز حماية البيئة، تبنّي حملة توعوية مشتركة بين شرطة حماية البيئة وشرطة قضاء الجبايش والأمن الوطني حول مخاطر وأضرار الصيد الجائر على عملية تكاثر الأسماك والطيور، وكذلك الأضرار البيئية على السكان المحليين. لافتاً الى إعداد خطة أخرى مع مديرية بيئة ذي قار خاصة بتفتيش ومراقبة الأسواق والمحال التي تبيع بنادق الصيد والأسلحة من دون ترخيص رسمي .مشدداً، على اهمية تفعيل عملية التنسيق بين جميع الجهات الحكومية ووسائل الإعلام في الجوانب التوعوية التي تتزامن مع موسمي السياحة وهجرة الطيور.
10 عناصر شرطة فقط ؟!
وعن امكانية الحدّ من مخاطر الصيد الجائر من قبل مركز شرطة حماية البيئة، قال جاسم، إن شرطة حماية البيئة في ذي قار، تتمثل بمركز شرطة يتبع مديرية الدفاع المدني ويضم 37 عنصراً من الضبّاط والشرطة، وهذه الأعداد غير كافية لملاحقة المخالفات البيئة وإزالة التجاوزات ونشر الوعي البيئي في عموم المحافظة، مؤكداً، تخصيص مفرزة من 10 عناصر من منتسبي مركز حماية البيئة لنشرهم في مناطق الأهوار في قضاء الجبايش. مردفاً، أنّ ملاكات مركز حماية البيئة غير كافية لتغطية جميع مناطق المحافظة التي تُعد رابع محافظة بالعراق. وينوّه جاسم، الى "أنّ قلة العدد حال دون نشر قوة من مركز حماية البيئة في أقضية سوق الشيوخ والرفاعي والشطرة "، مؤكداً إنّ، الحصة الأكبر من قوة مركز حماية البيئة، تم تخصيصها لمناطق أهوار الجبايش. داعياً الحكومتين المحلية والاتحادية الى الاهتمام بالشرطة البيئية والعمل على دعمها بالمزيد من العناصر والآليات والزوارق لتتمكن من متابعة جميع النشاطات البيئية في المحافظة، وتحد من المخالفات وتلاحق مرتكبيها. موضحاً، أنّ المسافات بين أقضية المحافظة تزيد على الـ 100 كيلو متر، وهذه بحاجة الى آليات، فيما تشكل مناطق الأهوار خُمس مساحة المحافظة، وهذه هي الأخرى تتطلب زوارق حديثة لمتابعتها واستطلاعها ونشر الدوريات فيها. ويبيّن مدير مركز شرطة حماية البيئة، أن مركز شرطة حماية البيئة والمفرزة التابعة له والمكلفة بحماية مناطق الأهوار، تفتقر للآليات والزوارق التي تمكّنها من متابعة نشاط الصيادين في عمق الأهوار والمناطق النائية في مناطق أهوار الجبايش والطار وسوق الشيوخ وكرمة بني سعيد. مشيراً الى أن، عناصر شرطة حماية البيئة تستخدم أحياناً زورقاً تابعاً لمديرية البيئة أثناء قيام ملاكات تلك المديرية في واجبات داخل الأهوار. مؤكداً تعذر الدخول الى أعماق الأهوار في حال عدم توفر الزوارق.
وتشكّل الأهوار خُمس مساحة محافظة ذي قار، مركزها مدينة الناصرية، وتتوزع على عشر وحدات إدارية من أصل 20 تضمّها المحافظة، إذ تقدر مساحة أهوار الناصرية قبل تجفيفها مطلع تسعينات القرن الماضي، بمليون و48 ألف دونم، في حين تبلغ المساحة التي أعيد غمرها بالمياه بعد عام 2003 نحو 50 بالمئة من مجمل المساحة الكلية لأهوار الناصرية.
مبيدات وشباك الدوش
تنصّ المادة ثانياً من قانون حماية الحيوانات البرية رقم (17) لسنة 2010 (تعد الحيوانات البرية ثروة وطنية وعلى المواطنين والجهات الرسمية حمايتها وتجنب إيذائها أو الاعتداء عليها ولا يجوز صيدها إلا لأغراض التجارب العلمية بعد الحصول على الموافقات الاصولية وفق أحكام هذا القانون).
قائممقام قضاء الجبايش، بديع الخيون، أوضح لـ(المدى) أن هجرة الطيور حالة مستدامة في أهوار جنوب العراق، حيث تهاجر ملايين الطيور من سيبريا والصين وروسيا والدول الأوروبية الى مناطق الأهوار في جنوب العراق. لافتاً الى أن، السكان المحليين اعتادوا صيد تلك الطيور للغذاء وكمورد اقتصادي منذ القدم، إلا أن الأعوام الأخيرة، شهدت مظاهر سلبية في عملية الصيد من خلال استخدام السموم والمبيدات الكيمياوية والشباك ذات العقد الصغيرة. مبيناً أن، بعض الصيادين باتوا يستخدمون أنواعاً من المبيدات الزراعية في صيد الطيور، وهذه تؤدي الى شل حركة الطيور والتأثير في وظائفها التنفسية والعصبية، وهو ما يتيح للطير العيش لفترة وجيزة تمكّن الصياد من ذبحه ومن ثم بيعه على أنه اصطيد بطريقة طبيعية. منوهاً إلى استخدام حبوب الحنطة والشعير المطبوخة بالمواد السامّة لاستدراج الطيور إلى شباك الصيد . وكشف الخيون: عن استخدام شباك صيد يطلق عليها محلياً اسم (الدوش) وهي تنصب على مساحات واسعة وتستهدف أعداداً كبيرة من الطيور قد تصل الى المئات والآلاف من الطيور .مشيراً الى، أن الصيد بالبنادق والشباك يُعد أهون من صيد الطيور بالمواد السامّة والمبيدات الكيمياوية التي تؤثر في صحة وحياة الإنسان وتؤدي الى اصابته بأمراض خطيرة ومستعصية عند استهلاك لحوم تلك الطيور. مؤكداً، إن عملية الصيد الجائر تستدعي حملات كبيرة للحد من هذه الظاهرة ومحاسبة الصيادين المخالفين .
المطلوب 250 عنصر شرطة
وأشار قائممقام قضاء الجبايش، الى أن ادارة قضاء الجبايش، عملت على تسليط الضوء على مشكلة الصيد الجائر وفاتحت وزارة الداخلية وادارة المحافظة حول تفعيل دور الشرطة البيئية التي أخذت تنشط خلال هذا الموسم، لكن الأمر يتطلب المزيد من العناصر والإمكانات لتغطي المساحات الواسعة من الأهوار ونشر نقاط رصد ومراقبة لنشاط الصيادين في عمق الأهوار وفي مجرى نهر الفرات المغذي لمناطق الأهوار .مشدداً على اهمية متابعة الأسواق المحلية ومحاسبة المتاجرين بالطيور المهاجرة والأسماك التي يتم اصطيادها بطرق جائرة. مؤكداً أهمية وجود لجانٍ من الشرطة البيئية والبيطرة والزراعة في كل سوق من أسواق المدن الأهوارية المتمثلة بمدن قضاء الجبايش وناحية الحمار في الناصرية ومدن القرنة والمدينة في البصرة ومدن الكحلاء والمجر في ميسان، لمتابعة الباعة والمتاجرين وصيادي الأسماك والطيور المهاجرة . ويدعو الخيون، بحديثه إلى استحداث مديرية شرطة خاصة بحماية البيئة بدلاً من مركز شرطة حماية البيئة الذي يتبع مديرية الدفاع المدني، وأن يكون مقر هذه المديرية في مناطق الأهوار وليس مركز المحافظة، منتقداً الأعداد القليلة من عناصر الشرطة البيئية لمواجهة التحديات والتجاوزات البيئية ولاسيما مشكلة الصيد الجائر للأسماك والطيور .فضلاً عن أن مهمات الدفاع المدني تختلف عن مهمات حماية البيئة، لهذا ينبغي أن تكون هناك مديرية مستقلة لحماية البيئة.
ويضيف قائممقام الجبايش، أن الشرطة البيئية اليوم تعمل، لكن ضمن امكانات وقدرات محدودة ولا تتناسب مع متطلبات محاربة ظاهرة كبيرة جداً. داعياً وزير الداخلية الى مقابلته شخصياً، لبحث مشكلة الصيد الجائر وعرض برنامج متكامل لمكافحة هذه الظاهرة، مشدداً على أهمية استحداث مديرية شرطة لحماية البيئة يكون مقرها في مناطق الأهوار.
وفي ما يخص الإجراءات وأعداد عناصر الشرطة المطلوبة للحدّ من عمليات الصيد الجائر، بيّن الخيون: نحتاج الى 250 عنصراً من الشرطة لتنفيذ البرامج التي أعدتّها الحكومة المحلية في مناطق أهوار الجبايش لحماية البيئة والحدّ من مظاهر الصيد الجائر للأسماك والطيور في أهوار المحافظة، مؤكداً، امكانية الاستعانة بعناصر الشرطة المحلية ونقل خدماتهم الى الشرطة البيئية لسد العجز الحاصل حالياً في عناصر الشرطة البيئية. متعهداً، بتقليص مظاهر الصيد الجائر والمخالفات البيئية الأخرى إلى 10 بالمئة في حال توفرت الإمكانات وعناصر الشرطة لتنفيذ تلك البرامج.
تفعيل قانون 17 للحدّ من الصيد الجائر
ويشدد قائممقام قضاء الجبايش، على ضرورة تفعيل قانون رقم 17 الخاص بمحاربة الصيد الجائر، وأن تكون الإجراءات ميدانية وفاعلة على أرض الواقع. مضيفاً، أن العام الماضي شهد ظاهرة اصطياد طائر الغرنوك (الفلامينكو) في مناطق الاهوار العراقية، لكن لم تظهر بوادر حقيقية لمحاربة هذه الظاهرة، واقتصر الأمر على الاستهلاك الإعلامي فقط. متابعاً، إن عدم محاربة ظاهرة الصيد الجائر في مناطق الأهوار، من شأنه أن يدفع بالجهات الدولية الى إدراج هذه الأهوار ضمن القائمة الحمراء، وبالتالي سينعكس ذلك سلباً على ملف إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي .
كما بيّن، أنّ جميع المظاهر البيئية السيئة التي تهدّد البيئة، هي نقاط خطيرة ستؤثر في ملف الأهوار لدى منظمة اليونسكو. مؤكداً، إن من أولى معايير إدراج الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي، تتمثل بالحفاظ على البيئة والتنوع الاحيائي .والصيد الجائر للطيور المهاجرة، بات يهدد عملية التكاثر لهذه الأنواع من الطيور .مشيراً، الى أن صور اصطياد طائر (الفلامينكو) التي تداولها الإعلام العام الماضي، لم تكن في أهوار الجبايش، وإنما في مدن أهوارية في محافظات أخرى، وإنه سيعمل بالتعاون مع الدوائر المعنية الأخرى للحدّ من هذه الظاهرة. وما يجدر ذكره، تواجه مناطق أهوار الجنوب جملة من المشاكل أبرزها تذبذب مناسيب المياه ونقص الخدمات الأساسية، فضلاً عن ضعف الاهتمام بالثروة الحيوانية في تلك المناطق التي تشتهر بتربية الجاموس وصيد الأسماك والطيور، وغالباً ما تتعرض قطعان الجاموس إلى الأوبئة والأمراض التي تؤدي إلى نفوق عدد كبير منها، ما يؤدي إلى خسائر كبيرة لمربّيها.