TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > يوسف يعقوب حداد في تذكر المطبعة

يوسف يعقوب حداد في تذكر المطبعة

نشر في: 24 أكتوبر, 2017: 09:01 م

لن أنسى ما حييت، شكل دموع صاحب "مطبعة حداد" القاص يوسف يعقوب حداد، كانت دموعاً سريانية، لن تتكرر ثانية في البصرة، ففي ضحى أحد أيام الشتاء من تسعينيات القرن الماضي، حيث قرر إتحاد أدباء البصرة تكريمه كواحد من مبدعي المدينة، لم لا، وهو صاحب مطبعة حداد، التي طبعت عشرات الكتب الأدبية في الفترة الواقعة بين نهاية الخمسينيات ونهاية التسعينيات. أما أنا فسأتذكره صحبة صديقي الشاعر جمال مصطفى، حين عقد النية على طباعة ديوانه الشعري الأول، منتصف السبعينيات، فقد استقبلنا عند باب مطبعته مرحباً، ناصحاً، طالباً التأني في طباعة الكتاب، لأن التجربة كانت بحاجة الى نضج أكثر.
في الضحى الشتوي ذاك، قرأ أصدقاؤه الادباء كلمات الثناء، وكانت قصة محمد خضير عنه (قصة الطباع يوسف) قد نشرت آنذاك في الصحف وضمها فيما بعد الى أحد كتبه، تكلم محمد خضير بشيء عنه، وكذلك فعل الروائي يعرب السعيدي رحمه الله، وتكلم غير واحد، لعله الروائي والقاص كاظم الأحمدي والشاعر عبد الخالق محمود وبكل تأكيد كانت للشاعر حسين عبد اللطيف (رحمهم الله جميعا) كلمة مماثلة. كثيرون هم الذين وقفوا يثنون على تجربة حداد، لكنه، حين وقف يرد الثناء عليهم لم يملك عينيه فانهمرت دموعه وتعطلت كلماته. يوسف يعقوب حداد المسيحي، البصري، المولود في كريسماس العام 1927 والمتوفى في خريف 1999 كان ممن حضروا المؤتمر الأول لإتحاد الادباء والكتاب ببغداد عام 1958.
في العام 1947 يزور يوسف حاد لُبْنَان ويقترب من مَثْوَى جبران خليل جبران في بِشْرِي ويزور َمغَارَتي قَادِيشَا وجعيتَا. وفي العام 1952 يشرع بتأسيس المطبعة ثم يسافر ثانية الى لبنان، ويأتي بمطبعة حديثة، وإذا كان محمد خضير قد أسطر حياة وأحرف مطبعة حداد ونقلنا الى عوالم خارج خيالنا، حيث يكون الحرف حجرا ورصاصاً مقلوباً على اللوح، وحيث تتسخ أيدي الطباع بالزيت والكلمات، فقد سمعت من يوسف في ضحى تكريمه حكاية ولعه بالحرف والطباعة والكتاب. يقول يوسف:" كنت صغيراً، أطل من النافذة ذات المشبك المعدني على مطبعة التايمس بالعشار، وعلى حركة العاملين فيها، كان الطريق الى بيتنا يمر من هناك بالمطبعة، ومنذ الصغر كنت مغرما بحركة التروس وروائح الاحبار ودوران الدواليب، كنت أقف الدقائق الطوال، أنعم النظر في العالم الخرافي ذاك، فأروح منشغلاً مأخوذاً بالورق وهو يخرج تباعا من فم المطبعة الأخير وقد صار كتباً وصحائف فأنا الى الآن، ما زلت أمسح عن أنفي ووجهي التراب الذي كان على مشبك نافذة المطبعة.
ترك يوسف يعقوب حداد وظيفته حيث كان يعمل بتزويد الطائرات المدنية بالزيت والوقود في مطار البصرة المدني وذهب بكله الى الصحافة والكتابة والطباعة. فَأَسَّسَ مَطْبَعة اسْتَوْرَد ماكِنَتَها الرَئيسِيَّة مِنْ هايدلبرغ بأَلْمانيا. يوسف صاحب كتب(الندبة الزرقاء)و(فيزا الى عالم جديد)و(النوارس لا تذيع اسرارها)و(شرخ في الذاكرة) والذي ترجم عن الانجليزية عشرات القصص، يضطر وتحت ظروف قاهرة الى بيع مطبعته، كما يبين لنا في رسالة يكتبها في 20-11-1992 الى صديقه الاديب يعقوب افرام منصور. اليوم، وأنا أمرُّ بالمكان المهجور، أقف قبالة الباب، حيث استقبلني وجمال مصطفى القاص يوسف يعقوب حداد، أقول: أما من أحد لهذه المدينة التي بكى في شتائها يوسف يعقوب حداد؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram