TOP

جريدة المدى > سينما > "حادثة في فندق هيلتون النيل" فسادٌ ضاربٌ في جهاز الشرطة وسَلفي يعود إلى صباه في "شيخ جاكسون"

"حادثة في فندق هيلتون النيل" فسادٌ ضاربٌ في جهاز الشرطة وسَلفي يعود إلى صباه في "شيخ جاكسون"

نشر في: 26 أكتوبر, 2017: 12:01 ص

حين إختارت الإيرانية شيرين نشاط عنواناً لشريطها السينمائي وسمته "البحث عن أم كلثوم"(90 د)، عرض في مهرجان لندن السينمائي الذي أختتمت أعمال دورته الـ61 قبل أيام، فهي ضمنت سلفاً ما يمكن أن يثيره من سجالات. عنوان فيلمها الموارب جمع بين صيغتي البحث المفتو

حين إختارت الإيرانية شيرين نشاط عنواناً لشريطها السينمائي وسمته "البحث عن أم كلثوم"(90 د)، عرض في مهرجان لندن السينمائي الذي أختتمت أعمال دورته الـ61 قبل أيام، فهي ضمنت سلفاً ما يمكن أن يثيره من سجالات. عنوان فيلمها الموارب جمع بين صيغتي البحث المفتوح على احتمالات التوصل الى خلاصات ما خفي من سيرة سيدة في مجتمع شرقي ذكوري

وبين إسم تربع على عرش الطرب العربي لفترة طويلة وكان إيقونة سقفها الأعلى. ذلك أن نشاط القادمة من إيران والمقيمة منذ سنوات بعيدة في أمريكا بسبب آرائها السياسية، والمهجوسة بالنزعة النسوية وواقع أبناء جلدتها خصوصاً في البلدان ذات الثقافة الإسلامية، وصاحبة رؤية فنية مابعد حداثية معاصرة تستعير من أفكار التفكيك وإعادة البناء أسلوباً في اشتغالاتها الفنية، وجدت في شخصية "كوكب الشرق" موضوعاً لبحث فني وعلى شكل فيلم داخل فيلم.
والأخيرة، أي فكرة الفيلم داخل الفيلم، ليست بالجديدة، أقله على السينما الإيرانية، إذ سبق وأن وظفها مواطناها جعفر بناهي في "هذا ليس فيلماً"(2011)، وقبله محسن مخملباف في "سلام سينما"(1995)، ولكن بصيغة البحث عن ممكنات تمرد الفنان على شروط إقامته الجبرية في الأول، فيما اقتفى الثاني حلم شابة تطمح بوصال مع حبيبها المقيم في فرنسا عبر مشروع سينمائي يزمع المخرج البدء بتصويره. ومع أن سردية الشريطين لم تخرجا عن تعاليم "سينما المؤلف" التقليدية كثيراً بما حملاه من إشارات سياسية. إلا أن نشاطاً هنا أعادت تركيب سيرة شخصية معروفة، مختلف على قراءة طبعاتها السياسية، وعبر وصفة قناعاتها الفنية التي تنسجم مع مفاهيم مابعد الحداثة. في اللقطات الأولى تصحبنا المخرجة ميترا (ندى رحمانيان) الى صالة فارهة وذات سقوف عالية، حيث تجلس أم كلثوم على كرسي فخم، ثم تستدير الكاميرا الى حركة الستائر المطلّة على عوالم الخارج. تفتح تلك اللقطة التركيبية على عالمين، عالم الصبي أبن المخرجة، وآخر الى طفولة أم كلثوم. ومن خلال التتابع الصوري نتعرف على بواكير طفولة أم كلثوم وتفرد صوتها في أداء الموشحات بملابس ذكورية!! ومن بعد تكر فصول الحكاية من خلال اختيار المخرجة ميترا لمدرسة الإبتدائية غادة (ياسمين رئيس) لأداء شخصية أم كلثوم، وتعود قليلاً للوراء لمظاهرات المرأة المصرية المطالبة بالحقوق السياسية وخلع الحجاب، إبان الحرب العالمية الأولى، تحت أعين قوات الاحتلال البريطاني، ولغاية تكريس أم كلثوم كصوت متفرد يستحق أن يسمع شجاه الملك فاروق. التكريس أعلاه كان جواز مرورها لعهد جديد برز فيه الزعيم جمال عبد الناصر كنجم في عالم السياسية لا يضاهيه أحد. ومع كل خطوة من تقدم العمل تجد المخرجة ميترا نفسها وسط تساؤلات مقلقة تتعلق بالصياغات النهائية لمشروعها. بين عدم الرضى، أزمة شوقها الى أبنها، ضغوط المنتجين وعامل الزمن، فقدان أم كلثوم تركيزها في أغنية بحضور الزعيم عبد الناصر، تقرر في آخر الأمر التوقف عن مشروعها وترك الأمر الى مساعدها. اللقطات الأخيرة تبدأ فيه المخرجة ميترا برفع صور أم كلثوم من أمام مكتبها والى حوار عتاب حار ومر حين تتقابل الشخصيتان. ما شاهدناه ليس فيلماً عن سيرة شخصية، بقدر ما هو محاولة تماه بين أمرأتين تمردتا على أعراف وتقاليد مجتمع شرقي/ذكوري/إسلامي، كل بطريقتها، وهنا تكمن الرسالة. أما سؤال النجاح فهو متروك لحكم مشاهد، خصوصاً العربي، استقرت في ذهنه صورة وصوت تفرد في جمع الموروث الشعبي بالديني بالسياسي وشكلت قصة أسطورة نادرة. ما دفع بالفنان المصري الأرمني شانت أفيديسيان الى تجسيدها بطريقة لا تخلو من تقارب مع عمل الفنان الأمريكي أندي وورهول حين طبع صور النجمة مارلين مونرو بصيغ مختلفة. ولكي نبقى في أجواء أرض الكنانة، فقد قدم الشاب المصري السويدي الجنسية طارق صالح، شريطه المهم "حادثة في فندق هيلتون النيل"(107 د) وعلى شكل بيان مكاشفة جريء لفساد جهاز الشرطة في بلده. ذلك أن ما قدمته السينما المصرية، حول هذا الموضوع، لا يعدو عن إشارات مضمرة تستهدف فرداً فاسداً أو جهة ما ضمن عمل هذا الجهاز المعقد في تراتبيته وارتباطاته الخفية مع صانع القرار السياسي ونظامه. إلا أنه، وعلى إثر ثورة 25 كانون الثاني/يناير عام 2011 وما ترتب عليها من تداعيات عميقة طالت بنى السلطة السياسية، بدأ جيل من الشباب يتنكب الى مهمة المصارحة بدلاً من الغمز أو الإيحاء. يوظف صالح، كتب السيناريو بنفسه، حادثة حقيقية تتعلق بمقتل مغنية أجنبية، تدعى لالينا، وتعمل في إحدى علب الليل الخاصة في غرفتها الفندقية، ما يدفع قسم الشرطة الى تكليف الرائد نور الدين (أداء كريزماتي للممثل اللبناني فارس فارس) بمتابعتها. ما يتحمس له الضابط نور الدين في أول الأمر، أرمل ويعيش لوحده في بناية شعبية، كفرصة جديدة للابتزاز والرشى، سرعان ما ينقلب الى تعقب بوليسي يدخله في عوالم شبكات عنكبوتية تطول شخصيات نافذة في الدولة. كل معلومة يتوصل إليها الضابط نور الدين، وهو فاسد ومرتش أساساً، تقوده الى معلومة أكبر حيث تتكشف أمامه عوالم علب الليل وزبائنها بعوالم الجريمة والمخدرات وأساليب الابتزاز للشخصيات النافذة عبر تصويرها في لقطات حميمية من أجل ابتزازها بما فيهم هو. أما مرؤسوه فكل واحد رسم له دوراً لا يتخطاه مقابل تقاسم رشى وشراء صمت. ما يجمعه الضابط نور الدين من معلومات يقوده أيضاً الى تضييق مجال بحثه وحصره بنائب برلماني يرتبط بعلاقة وطيدة مع أبن الرئيس الأسبق حسني مبارك، وشاهدةٌ سودانية لاجئة تعمل منظفة في فندق الهيلتون. وفي حمى تصاعد أحداث التظاهرات المطالبة برحيل رأس النظام وإزالة صور رئيسه من الشارع، أي في 23 كانون الثاني/ يناير 2011، تجرى صفقة إغلاق ملف القضية تجاه البرلماني مقابل مال وتسهيل عملية هروبه الى دبي. شريط "حادثة فندق هيلتون النيل" يعيد للسينما المصرية جنساً سينمائياً طالما تحاشت الخوض في تفاصيله أو تقاربه بشكل مباشر خوفاً من عواقب التقاطع مع السلطة السياسية ومقص الرقيب في آن.
إلا أن مواطنه عمرو سلامة، "أسماء"(2011) و "صنع في مصر" (2014)، ينقلنا في جديده "شيخ جاكسون"(93 د) الى تنازع في هوية مراهق خجول عشق موسيقى وغناء "ملك البوب" مايكل جاكسون في بداية تفتحه على الحياة قبل انتمائه الى إحدى الجماعات السلفية في مصر. ينحدر الشاب خالد (أحمد الفيشاوي) من عائلة متوسطة الحال، والده صاحب صالة رياضية، يفقد والدته وهو صغير وكل ما يمكله منها قلادة وصور أراد لها أن تبقى بالأسود والأبيض كذكرى عزيزة. لكن سرعان ما يبدأ الخلاف مع والده (أداء رائع لماجد الكدواني)، إثر انغمار خالد في سني مراهقته في تتبع جديد إلبومات مطربه المفضّل الغنائية كجزء من تقليعة انتشرت وسط زملائه من الطالبات والطلاب. فشله في التركيز على دراسته وانكشاف سر عالمه أمام والده، يدفع بالأخير الى طرد أبنه المراهق من البيت ولينتقل الى السكن مع خاله الإسلامي السلفي في مدينة الإسكندرية. ما نتابعه من حوارات، كتبها بإتقان عمر خالد، يشي بقوة الخطاب الإسلامي ونفاذه في الوصول الى عقول الشباب المحبط بفعل الوضع العام. إذ دارت تلك الحوارات حول سني العمر، الآخرة ووعودها، العذاب، الخوف من عتمة القبر، هناك مشهد رائع يصور فيه عتمة الجب. والحنكة في توظيف التقنيات الحديثة في إيصال رسائل الجماعات السلفية عن طريق إعلانات مبتكرة تستلف من خزين هائل الصور المعبرة، طريقة الإلقاء واختيار السور القرآنية. إلا أن خالداً ورغم تأمينه لحياة مستقرة رضية يتقاسمها مع زوجته المنقّبة خارج البيت وله منها أبنة، تتضايق من طريقة إلقائه الأناشيد الدينية غير المقررة، ظل عذاب القبر يؤرقه. فهو ينام تحت السرير في لحظات خلوته كجزء من التكفير عن خطيئة. لكن خبر وفاة مطربه المفضّل تعيد له ألق سنوات المراهقة عبر التصالح مع ماضيه، فتح صناديق ألبومات ما يكل جاكسون ظلت مغلقة لفترة طويلة، تتبعه لتلميذة كانت قد استهوته يوماً ولكن خجله فوّت عليه فرصة طبع قبلة على وجنتها، العودة الى والده وطلب مفتاح الشقة التي ولد فيها. شريط "شيخ جاكسون" ممتع ومشوّق، ولعلّه الأنضج في مقاربة الظاهرة الدينية في بلد شكلت سرعة البديهية والمفارقة والموسيقى جزءاً من يومه.
انتهى................

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram