adnan.h@almadapaper.net
برغم ما تبذله هيئة النزاهة من جهود للكشف عن الفساد الإداري والمالي ومكافحته، لم يزل عمل هيئة النزاهة على هذا الصعيد لا يتجاوز مسّ الجلد، فلم نرَ حتى الآن توغلاً في الأعماق تهتزّ له أركان إمبراطورية الفساد هزّاً.
واحدة من القضايا الكبرى التي لم نلمس أثراً لهيئة النزاهة أو سواها في ميدانها، هي المتّصلة بعمل هيئة دعاوى الملكية التي تشكّلت في وقت مبكر من العهد الجديد لإيجاد حلول للمشاكل الكثيرة المترتّبة على قيام النظام السابق بنزع ملكية عشرات الآلاف من العقارات والمصالح الخاصة بأفراد وجماعات شملهم ذلك النظام بسياساته التعسفية.
هيئة النزاهة أعلنت الخميس الماضي عن أنها تمكّنت من استرجاع قرابة مليوني دولار ونصف المليون إلى خزينة الدولة عن ديون ماليَّة مترتّبة على شركات طيران دولية ومستحقة الدفع منذ أكثر من سنتين إلى المنشأة العامة للطيران المدني في وزارة النقل عن حقوق عبور الأجواء العراقية وأجور الهبوط والمبيت في مطار بغداد الدولي!
يعطيها العافية، هيئة النزاهة، عن هذه الاستعادة التي لا تتجاوز قيمتها في الواقع قيمة الفول السوداني (peanut)، بحسب التعبير الإنجليزي، بالمقارنة مع قضايا الفساد الكبرى المقدّرة قيمتها بمليارات الدولارات التي نهبها مسؤولون كبار في الدولة ولاذ البعض منهم بالفرار فيما أقران لهم يواصلون "عادة" النهب، تحت السمع والبصر، محميّين بـ "سور سليمان" الذي أنشأته لهم أحزابهم وميليشياتهم وشركاؤهم في القيادات العليا للدولة.
يوم الخميس أيضاً كُشِف النقاب عن ضغوط مارستها زعامات سياسية لإخفاء مشروع قانون ناقشه مجلس النواب عنوانه "قانون الطعن لمصلحة القانون" ومنع التصويت عليه في مجلس النواب، وهو قانون من المقدّر في حال تمريره أن يسمح باسترجاع أموال طائلة نُهبت بين العامين 2007 - 2010 باسم القانون!
النائب حسن سالم الذي سلّط الضوء على هذه القضية أعاد إلى الأذهان في تصريح صحافي أن هيئة دعاوى الملكية أصدرت في تلك الفترة قرارات بمنح أشخاص أموالاً بمليارات الدنانير وبتمليك آخرين أراضي طابو صرف في المحافظات العراقية من دون وجه حق. الاشخاص الممنوحون تلك الأموال والأراضي هم رؤساء وزعماء قوى وكتل سياسية.
النائب كشف أيضاً عن أنّ مجلس القضاء الأعلى أرسل كتاباً الى مجلس النواب يطالبه فيه بمنح جهاز الادعاء العام صلاحية ملاحقة هذه القضية ،لأن الأموال المستحوذ عليها هي مال عام وليست أملاكاً شخصية .
ولمتابعة هذه القضية وتمكين الادعاء العام من الملاحقة أُعدّ "مشروع قانون الطعن لمصلحة القانون" الذي قُدّم الى مجلس النواب وقرئ قراءتين "ثم تمّ إخفاؤه في أدراج مجلس النواب بضغوطات كبيرة من قيادات سياسية بعد شعور الحيتان الكبار بأنه سيمسّهم ويؤدي الى استرجاع المليارات التي نبهت"، بحسب تعبير النائب حسن سالم.
جهاز الادعاء العام وهيئة النزاهة والقوى السياسية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني مطالبة جميعاً بعدم السكوت على هذه القضية الكبيرة.. أما الحكومة فلا أمل فيها، لأنها لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم في ما خصّ الفساد بالذات ..!