لست أبالغ إذا ما قلت إن شغفي - وشغف الكثير من المهووسين بالقراءة - برواية الخيال العلمي قد نما بالوتيرة ذاتها التي كنت أقرأ بها الكلاسيكيات الأدبية العربية والعالمية ، وقد شكلت أعمالٌ مثل ( حول العالم في ثمانين يوماً ) لجول فيرن ، أو (آلة الزمن ) و ( حرب العوالم ) لهربرت جورج ويلز ، أو ( أوديسا الفضاء ) لآرثر كلارك منبعاً ثرياً ورافداً مهماً من روافد الذائقة الأدبية التي قدّر لها لاحقاً أن تغدو حرفة أدبية اشتبكت بحياتي وشكّلتها على نحو ماصارت إليه.
نشأت معرفتي الأولى بالفيزيائي الأشهر في عالمنا المعاصر ( ستيفن هوكنغ ) عندما سمعت بعبارة ( نظرية كل شيء Theory of Everything ) - تلك العبارة المدهشة التي تستبطن سحراً بقدر ماتبعث على الدهشة ، وعرفت بعد شيء من بحث وتنقيب أن هذه النظرية هي بمثابة " حجر الفلاسفة " لدى الفيزيائيين المعاصرين ؛ فهي تمثل تتويجاً لرؤيتهم الملحمية وجهدهم الأسطوري في محاولة بلوغ نظرية توحّد كل القوى الأساسية المعروفة في الطبيعة ( وهي أربعة قوى بحسب المتعارف عليه في أوساط الفيزيائيين ) ، وعند متابعتي للجهود العلمية المبذولة لتحقيق مسعى توحيد القوى عرفت أن ( ستيفن هوكنغ ) هو واحد من الفيزيائيين الأساسيين المساهمين في جهد بلوغ ( نظرية كل شيء ) .
ظهر كتاب هوكنغ المعنون ( موجز تأريخ الزمان : من الإنفجار العظيم إلى الثقوب السوداء ) مترجماً عن دار المأمون العراقية في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي ، وكان هذا الكتاب باكورة أعمال هوكنغ في ميدان الكتابة العلمية التي تخاطب أوسع حلقات العامة من الناس بقصد إشاعة الروح العلمية وتقريبها إليهم وبث روح الحماسة والشغف بها ، ومن جانبي فقد قرأت الكتاب بكل شغف فور صدور ترجمته وأعدت قراءته مرات عدة لاحقاً .
لن أتحدث الكثير عن هوكنغ ؛ فهو عالم طبقت شهرته الآفاق وبات معروفاً في كل بقاع العالم بسبب إنجازاته الثورية وآرائه المثيرة ( مثل رأيه بشأن موت الفلسفة ، أو بشأن الروبوتات وطبيعة الذكاء الإصطناعي ، أو بشأن ضرورة إستيطان الإنسان لكواكب أخرى غير الأرض ) ، كما أن صورته المرتسمة في الذهن بكونه عالماً فيزيائياً نظرياً فذاً يصنع أعظم النظريات وينجز أدق الحسابات وهو مقيّدٌ إلى كرسيه المتحرك قد ساهمت هي الأخرى في ذيوع صيته .
أنتهيت قبل بضعة شهور من ترجمة كتاب ( موجز تأريخ حياتي ) لهذه الشخصية اللامعة ، وقد أردت من ترجمتي هذه أن تكون وسيلة لإستكشاف المديات العظمى التي يمكن أن يبلغها الشغف الإنساني عندما يقترن بالمثابرة والرغبة في تحقيق أهداف محددة وبخاصة عندما تكون تلك الأهداف ملحمية الطابع ؛ إذ حينذاك يمكن كسر سطوة الإعاقات الجسدية مهما تغوّلت ، ويبدو هذا الأمر واضحاً بأعظم تعبيراته في العبارة الختامية التالية ( التي أنهى بها هوكنغ كتاب سيرته الموجزة ) والتي نلمح فيها روحه الثورية التوّاقة للبحث والإكتشاف المقترن بمسحة تفاؤلية رقيقة وهادئة هي بعض سمات أعاظم العلماء على مر العصور :
... وإنه لأمرٌ مَجيدٌ حقاً أن أبقى حياً وأواظب على البحث في ميدان الفيزياء النظرية كل هذا الوقت ، وسيكون مبعث سعادة لانظير لها في أعماقي إذا ماعلمت أن عملي هذا ساهم في إضافة أي قدر ( مهما كان ضئيلاً ) في فهمنا للكون.
نظرية كلّ شيء
[post-views]
نشر في: 28 أكتوبر, 2017: 09:01 م