هذه الصرخة الفولكلورية الساخرة التي تعكس ملامح روح الدعابة المصرية و طالما داعبت آذان المشاهدين العرب في الأعمال الفنية معبرة عن التعوذ من الشر و طلب الأمان .. "الأسياد" هي المرادف الشعبي المصري للجن و العفاريت.. بينما تحول حاليا "الدستور" في المشهد المصري إلى لُغم – يحمل عنوان حرب شريعة أو هوية- ينتظر أحد الخيارين ،إما إبطال مفعوله أو الانفجار..
الدستور بين الدولة و المحكوم هو العقد الذي تُحدد بنوده الحقوق و الواجبات المُتبادلة بين الطرفين ..و تٌقنن نصوصه مبادئ عامة تضمن حقوق و حريات المواطن.. مع إمكانية إضافة قوانين مكملة شرط ألاّ تكون مخالفة لمبادئ الدستور العامة..منذ البداية قامت قواعد عملية كتابة الدستور المصري عقب الثورة على أسس خاطئة.. مصر التي تحفل بالخبرات القانونية الدولية, توارت أمام اختيارات جماعة الإخوان المسلمين و التيارات السلفية الوهابية –رغم انعدام خبرتها- التي حرصت في تشكيل لجنة الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور على أن تضم غالبية تنتمي إلى تياراتها بعيدا عن معايير التنوع و الكفاءة و التساوي بين التيارات الفكرية و السياسية و القانونية المختلفة.. مما نتج عن تحويل العملية برمتها إلى صراع سلفي- ليبرالي .. و خرجت المسودة الأولى للدستور بائسة..مهلهلة..لا يتجاوز مستواها نصاً ركيكاً تغلب عليه التوازنات السياسية لقوى اليمين الديني المُسيطرة على الواقع المصري الآن.. أما شر البلية ما يُضحك ،فهي ردود أفعال القوى السياسية و المدنية المختلفة على هذه المسودة التي تحولت إلى حرب هوية .. القوى الليبرالية ترفض المسودة التي ترى أغلب موادها تعارض أسس الديمقراطية و المساواة و الحرية التي رفعتها الثورة المصرية شعارا لها.. التيارات السلفية تسعى إلى التمادي في تطرفها و تعارض المسودة التي لا تفي بمطالبهم الأساسية ،وعلى رأسها إقامة الحكم وفقا للشريعة الإسلامية.. و ترفض اختزال الشريعة في كلمة "مبادئ" فقط.. بالإضافة إلى قضايا مثل حرية الفكر و الإبداع و ما يخص حقوق المرأة.. الشباب بدوره رفض المسودة التي ابتعدت عن همومه ،إذ خلت من أي سياسة أو توجهات اقتصادية تفتح أمام هذا الجيل طاقة أمل في مستقبل أفضل قاموا بثورتهم سعيا له.. طبعا الطرف الوحيد المؤيد للمسودة "المضبوطة" وفقا لمصالحهم هم جماعة الإخوان و الجناح السياسي لها حزب الحرية والعدالة!
القضاء المصري أصدر منذ أيام حُكمه في الدعاوى التي أقيمت مطالبة بحل الجمعية التأسيسية للدستور وبإحالة الدعاوى إلى المحكمة الدستورية العليا.. مما زاد في اشتعال فتيل معركة الدستور .. إذ يتيح التأجيل فترة زمنية كي تنتهي اللجنة من تمرير دستور غير توافقي ..حقق -بنجاح باهر !- رفض كل الفئات و القوى المصرية.
وسط حدة الصراعات تظهر أهمية مراجعة عملية كتابة الدستور و إعادة تشكيل الجمعية للمرة الثالثة- فقد سبق و أن تم حل الجمعية لذات الأسباب- على نحو يوازن بين التيارات المختلفة و يحظى بتوافق وطني بدلا من قيامها على أساس حزبي.. إلاّ أن الأمل يبدو ضعيفا في قدرة محمد مرسي و هو الابن المطيع لجماعة الإخوان التي تشكل مع التيار السلفي أغلبية أعضاء الجمعية التأسيسية..فهو حتما سيواجه عدة مآزق مع أطراف عديدة إذا حاول الخروج بالتشكيل الجديد عن هذا الإطار.. أيضا من المستبعد أن يجرؤ مرسي على إغضاب الجماعة و إقصائها عن المغالبة و السيطرة على عملية كتابة الدستور..
الجمعية التأسيسية بدورها شهدت منذ إنشائها انقسامات و خلافات داخلية أدّت إلى انسحاب عدد كبير من أعضائها .. ما زالت تأمل في حلول تُخرجها من ورطة الرفض العام و التخبط .. إلى حد ظهور مقترحات و أصوات تعلو مطالبة مرسي بعدم طرح مشروع الدستور الذي ستقدمه اللجنة له للاستفتاء عليه قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا لأنه سيكون مشكوكا في مشروعيته.. و آراء أخرى تدعو إلى تبني فكرة الدستور الموقت لعدة سنوات حتى يتم إصدار دستور دائم يُرضي كل فئات الشعب .. و هو ما سبق حدوثه في بعض دول أميركا اللاتينية و دولة جنوب إفريقيا .
بين انتظار الشارع المصري لسلسلة مظاهرات سلفية حاشدة بهدف الضغط على اللجنة التأسيسية حتى تستجيب لكافة مطالبهم ... يبقى الدستور هو الأزمة القادمة التي ستواجه الرئيس الإخواني مرسي و حكومته.
*كاتبة عراقية مقيمة بالقاهرة
"دستــــــور..يــا أسيـــــادي"!
[post-views]
نشر في: 4 نوفمبر, 2012: 08:00 م