بالتأكيد هناك مدن أسوأ للعيش فيها من تلك الواردة في هذا المؤشر، مثل العاصمة العراقية بغداد والعاصمة الأفغانية كابل، غير أنه لم يتم إدراجها هنا، "نظراً لأن المسح المستخدم في الدراسة صمّم ليشمل المدن التي يمكن زيارتها والعيش فيها"، كابل وبغداد عرفتا "ع
بالتأكيد هناك مدن أسوأ للعيش فيها من تلك الواردة في هذا المؤشر، مثل العاصمة العراقية بغداد والعاصمة الأفغانية كابل، غير أنه لم يتم إدراجها هنا، "نظراً لأن المسح المستخدم في الدراسة صمّم ليشمل المدن التي يمكن زيارتها والعيش فيها"، كابل وبغداد عرفتا "عشرات الهجمات الإرهابية، أسفرت عن مقتل المئات من المدنيين، ناهيك عن، أن أغلب المؤشرات المعتمدة في هذا التصنيف من تعليم وصحة وبنى تحتية، لا تتوافر في المدينتين. حسبما ذكرت وحدة المعلومات، التابعة لمجلة "إيكونوميست" البريطانية والتي اعتمدت في تقييمها لأفضل وأسوأ مدن العالم على ما يسمّى "معامل المعيشة" والذي يتضمَّن أفضل وأسوأ الظروف الملائمة للمعيشة. ويصدر المؤشر عبر مقياس من 100 درجة، لتقييم 30 عاملاً متعلقاً بالأمان والرعاية الصحيّة والموارد التعليمية والبنية التحتية لدى 140 مدينة على مستوى العالم.
العشوائيات مشوّهات بصرية
ليس ببعيد عن نقص الخدمات وتدهور الأمن وعدم تطبيق القانون وغياب أدنى معايير المعيشة وفقدان فرصة العمل، ثمّة ظاهرة ترتبط بكل ذلك متمثلة بالتشوّه البصري والبيئي، الذي يطغى على معظم أرجاء العاصمة بغداد من المناطق أطرافها مروراً بالأحياء الشعبية والمتوسطة وصولاً الى المناطق الراقية التي فقدت الكثير من سمات الرقي نتيجة الفوضى والتجاوزات.
أرشد وليد مهندس، يشير بحديثه لـ(المدى) إلى الفوضى التي ضربت معظم أحياء وأرجاء العاصمة والتجاوزات التي كانت نتيجتها تشوّهاً بصرياً وبيئياً جعل من العاصمة "قرية كبيرة". متابعاً: أما موضوع النفايات فهي مشكلة ذو تشوّهين بيئي وبصري، تركت أثرهما على أن تكون العاصمة بغداد من أسوأ مدن العيش في العالم. منوهاً: والأكثر أسفاً في الموضوع، أن الجهات المسؤولة لم تحرك أيّ ساكن لترميم بعض خراب العاصمة وتجميل بعض تشوّهاتها.
تحاول الكوادر البلدية بإمكانية عمل متواضعة، أن ترفع بعضاً من التشوّه البيئي والبصري من أرجاء العاصمة، لكنها غالباً ما تصطدم بقلّة وعي بعض المواطنين، الذين يتعمدون زيادة تلك التشوّهات من خلال البناء العشوائي والتجاوزات على الأملاك العامة، الأرصفة بوجه الخصوص. وحسب المتحدث باسم أمانة بغداد حكيم عبد الزهرة في تصريح صحفي: إن العشوائيات موجودة في جميع دوائر البلدية، وتوجد 14 دائرة بلدية تتمركز فيها العشوائيات بشكل كبير، وهي بلديات الشعب والغدير وجزء من بلدية الكرادة بكون أن الزعفرانية تابعة لها، وحملتنا برفع التجاوزات تخصّ الشوارع في المناطق الرئيسة. مبيناً: إن مهمتنا هي عدم السماح لأيّ تجاوز جديد لحين إيجاد حل للتجاوزات بشكل قانوني.
وأشار عبد الزهرة، إلى أن إزالة التجاوزات لا تشمل المنازل السكنية، ولابد من إيجاد الحلول للمتجاوزين في البداية، خاصة وهم لا يستطيعون تسيير أمورهم اليومية، فكيف لهم بموضع سكن، مبيناً: إن ماتم رفعه هو فقط التجاوزات على الأرصفة في الشوارع وفي الساحات وفي طرق معينة ومعظمهم أصحاب الجنابر والبسطيات.
الإساءة للذوق العام
تدخل العواصم في ما يشبه المسابقات فيما بينها لتتصدر المدن الأجمل والأكثر جذباً للسياحة وازدهار حركة العمل والتجارة، وهذا عكس مايحدث في بغداد التي حصلت أكثر من مرة على مرتبة أسوأ المدن في النظافة والعيش قبل أن تخرج من تصنيف الأسوأ الذي جاء مع واقع المدينة الخدمي والأمني، والإساءة للذوق العام بشتى الطرق، من الكتابات على الحيطان والتجاوزات ورمي النفايات، وصولاً الى ترك هياكل السيارات في الشوارع العامّة واهمال واجهات البنايات. محسن الوائلي متعهد بناء وترميم ذكر لـ(المدى) إن التشوّهات البصرية في أنحاء العاصمة بغداد، اخذت بالانتشار بشكل لافت، منوهاً الى: واجهات البنايات التي تُعد من أكثر المشوّهات الجمالية. لافتاً الى: بنايات المؤسسات الحكومية السابقة، وخاصة العسكرية المتروكة أو التي سُكنت من بعض العوائل المتعففة التي زادت من تشوّه واجهات تلك البنايات.
ويسترسل الوائلي: من خلالي عملي في بناء وترميم البيوت والعمارات، واجهت صعوبات في اقناع بعض المواطنين بالكيفية التي تكون بها الواجهات. مشدداً: إن الكثير يرغب بوضع الألوان أو الهندسة التي تغيب عنها التفاصيل أو الموروثات المعمارية العراقية. موضحاً: إن على امانة بغداد، أن تولي موضوع التشوّهات البصرية أولوية لما يحدثه من ضرر في شكل وتكوين المدينة.
فقدان المساحات الخضراء
من الناحية البيئية، باتت الطرق في بغداد كارثية بمعنى الكلمة، فالمسافة التي تستغرق عشر دقائق، تأخذ اكثر من ساعة، وربما تصل الى ساعتين بعد غلق شارع محمد القاسم لإجراءات الصيانة، ما يعني زيادة الإرهاق البدني والنفسي والصحي، وكذلك بالنسبة لعمليات تقسيم المنازل والمحال، حيث يقوم الأهالي بتقسيم حدائق منازلهم والبناء من جديد على المساحات الخضراء، الأمر الذي أدّى إلى زحام نتيجة التكدس الشديد، وهو ما أفسد الذوق العام بشكل كبير، فلم تعد هناك مساحات للتنفس أو الرؤية المريحة للنظر والنفس، كل هذا أصبح غير موجود. فائق ابراهيم مختص بيئي تحدث لـ(المدى) عن التشوّه البيئي الذي طال أغلب مناطق بغداد، لافتاً الى: أن أزمة السكن تسبّبت بقتل الحدائق والمناطق الخضراء التي كانت تسهم في جمالية بيئية، فضلاً عن تنقية الأجواء من الغبار والأتربة. متابعاً: الشيء الأكثر إزعاجاً في التشوّه البصري ماتقوم بها بعض الدوائر الحكومية بعزل بنايتها عن الشوارع بالصبّات الكونكريتية أو الأسلاك الشائكة. مشدداً: على ضرورة انبثاق لجنة عليا لإزالة التشوّهات البصرية في العاصمة، والتي يمكن من خلالها أن تستعيد العاصمة بعض بريقها وجمالها الذي فقد نتيجة الإهمال والسماح بالتجاوزات.
المحسوبية والعلاقات تركل القانون
تواجه الحياة العامة للعراقيين ضعفاً كبيراً في تطبيق القانون والتعليمات، ما خلق فوضى بكل مجالات الحياة لصالح الخاص على حساب العام. المشاور القانوني خالد الفزع بيّن لـ(المدى) إن اغلب القوانين الخاصة بالبلديات والبيئة مركونة على رفوف المكاتب أو في الأدراج، وإن فكّر أحد من الموظفين العمل بها، توضع بطريقه حواجز عدة. مشيراً الى: أن أحد أسباب عدم تطبيق القانون يعود الى غياب الجهات الصارمة بتنفيذه وتفشي المحسوبية والسلاح في الشارع، ما تسبّب بالعديد من التجاوزات على المال والذوق العام، والذي تسبب هو الآخر بكل هذا التشوّه البصري في العاصمة بغداد. وأكد الفزع: إن بقاء القوانين مهملة والتعليمات معلّقة، يعني مزيداً من التجاوزات والتشوّهات البصرية التي يمكن أن تحوّل العاصمة الى قرية كبيرة رغم كل ما يتم تشييده من أبنية حديثة. موضحاً: إن أغلب المسؤولين يخشون من تجاوزات الجماعات المسلّحة والتهديدات العشائرية، لذا نجدهم يتجنبون أيّ احتكاك مع المتجاوزين. مشدداً: على ضرورة إجراء حملة كبرى لرفع الملصقات والكتابات على واجهات البنايات والصبّات الكونكريتية التي تُعد من التشوّهات البصرية والبيئية الخطرة، مع حملة توعية إعلامية تشجّع على الالتزام بالقانون وتنفيذه..