TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية (أحكام المحكمة الاتحادية العليا أُنموذجاً)

الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية (أحكام المحكمة الاتحادية العليا أُنموذجاً)

نشر في: 4 نوفمبر, 2012: 08:00 م

في أكثر من مناسبة أشرت إلى الأسباب التي دعت إلى ظهور القضاء والمحاكم لحاجة المجتمعات إليها وانبثقت من هذه الحاجة العلوم والفنون ذات الصلة والأهمية التي تنطوي عليها فكرة وجود القضاء بكافة أشكاله (الاعتيادي والدستوري والإداري) ولا حاجة لإعادة ذكرها، وإنما التذكير بأهميتها لتكرار المحاولة تجاه التعرض لها مثلما صرح به أحد أعضاء مفوضية الانتخابات المستقلة تجاه حكم المحكمة الاتحادية العليا بصدد قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي ، وهذه الأهمية دعت  جميع التشريعات في الدول إلى حماية هذه الأحكام وجعلها من أسس الثبات والدوام لكينونة المجتمعات، وسأعرض للمنظومة التشريعية العراقية التي عدت أفعالاً تتعلق بمخالفة الأحكام القضائية والامتناع عن تنفيذها بمثابة جريمة ،وحددت لها العقوبة البدنية والمالية (الحبس والغرامة) .ولأن المشرع ومن خلال التجربة الحياتية وجد أن من يخالف الأحكام القضائية ويعطلها في الأغلب الأعم هو القائم على تنفيذها سواء كان موظفاً مهمته تنفيذها بحكم وظيفته مثل دوائر التنفيذ وأعضاء الضبط القضائي وسائر الموظفين المثبتين على الملاك الدائم أو غيرهم من أصحاب الدرجات الخاصة والوزراء والنواب والقضاة ومن يدخلون في مفهوم (المكلف بخدمة عامة) المعرفين في حكم الفقرة (2) من المادة (19) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل التي جاء فيها الآتي (المكلف بخدمة عامة: كل موظف أو مستخدم أو عامل أنيطت به مهمة عامة في خدمة الحكومة ودوائرها الرسمية وشبه الرسمية والمصالح التابعة لها أو الموضوعة تحت رقابتها ويشمل ذلك رئيس الوزراء ونوابه والوزراء وأعضاء المجالس النيابية والإدارية والبلدية كما يشمل المحكمين والخبراء ووكلاء الدائنين (السنديكيين) والمصفين والحراس القضائيين وأعضاء مجالس إدارة ومديري ومستخدمي المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت التي تساهم الحكومة أو إحدى دوائرها الرسمية أو شبه الرسمية في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت، وعلى العموم كل من يقوم بخدمة عامة بأجر أو بغير أجر. ولا يحول دون تطبيق أحكام هذا القانون بحق المكلف بخدمة عامة انتهاء وظيفته أو خدمته أو عمله متى وقع الفعل الجرمي أثناء توافر صفة من الصفات المبينة في هذه الفقرة فيه) ،وحيث أن المبدأ العام في الفقه الجنائي (لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص أو بناء على نص) والمشرع العراقي بين أن فعل امتناع الموظف أو المكلف بخدمة عامة عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيلها جريمة يعاقب عليها على وفق حكم المادة (329) عقوبات التي جاء فيها الآتي (1 – يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف أو مكلف بخدمة عامة استغل وظيفته في وقف أو تعطيل تنفيذ الأوامر الصادرة عن الحكومة أو أحكام القوانين والأنظمة أو أي حكم أو أمر صادر من أحد  المحاكم أو أية سلطة عامة مختصة أو في تأخير تحصيل الأموال أو الرسوم ونحوها المقررة قانونا 2 – يعاقب بالعقوبة ذاتها كل موظف أو مكلف بخدمة عامة امتنع عن تنفيذ حكم أو أمر صادر من إحدى المحاكم أو من أية سلطة عامة مختصة بعد مضي ثمانية أيام من إنذاره رسميا بالتنفيذ متى كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلا في اختصاصه 3 - تطبق العقوبات ذاتها على الموظف أو الوكيل الرسمي الذي يسرح، ينزل درجة، ينقل، يهدد، يرهب، يميز ضد، يضايق، ينتقم بأي طريقة أخرى من أي شخص يبلغ أو يتعاون مع لجنة النزاهة العامة العراقية أو المفتش العام في الوزارة أو ديوان الرقابة المالية العليا أو أي جهة حكومية أخرى مختصة بالتحقيق وفضح الفساد وإساءة التصرف من قبل المسؤولين عن المؤسسات العامة) .وحيث أن مناط الفعل الجرمي الامتناع أو تعطيل تنفيذ الحكم القضائي فإن محلها هو الحكم القضائي ،لذلك لابد وأن أوضح ما هو الحكم القضائي بعجالة :هو القرار الذي تصدره المحكمة في خصومة ووصف حكم المادة (161) من قانون المرافعات رقم 83 لسنة 1969 المعدل بأن الحكم القضائي هو (يتلى منطوق الحكم علنا بعد تحرير مسودته وكتابة أسبابه الموجبة في الجلسة المحددة لذلك، ويعتبر الطرفان مبلغين به تلقائيا، إذا كانت المرافعة قد جرت حضوريا، حضر الطرفان أم لم يحضرا في الموعد الذي عين لتلاوة القرار) ،وهو يشمل كافة الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم التي تعمل بموجب قانون المرافعات في الدعاوى المدنية ،أما في الدعاوى الجزائية أو الجنائية فإن الأحكام الواجبة التنفيذ هي الأحكام التي تصدرها المحاكم الجزائية (الجنايات ، الجنح والتحقيق) والتي تصدر أحكامها بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل وعد الحكم الواجب النفاذ هو الحكم القضائي الذي أشارت إليه المادة (224) أصول جزائية ،وفي القضاء الإداري هو الحكم الذي يصدر عن محكمة القضاء الإداري بموجب الإجراءات التي أشار إليها قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل على وفق حكم المادة(7) من قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 المعدل ،أما في القضاء الدستوري وهو أصل البحث في هذه المادة فإن أحكام القضاء الدستوري في العراق مثل غيره هي الأحكام التي تصدر لتفسير النصوص الدستورية أو البت في الطعن بعدم دستورية القوانين والتشريعات النافذة ،واختصت فيه المحكمة الاتحادية العليا في العراق دون غيرها بهذا الاختصاص بموجب قانون إدارة الدولة الانتقالية  لسنة 2004 المعدل وقانون المحكمة الاتحادية العليا الصادر بموجب الأمر رقم 30 لسنة 2005 ثم تعزز هذا الدور والاختصاص بحكم المادة (93) من دستور العراق لعام 2005 ،وجاء فيه نص آخر يؤكد   إلزامية أحكامها ووجوب تنفيذها على وفق حكم المادة (94) من الدستور التي جاء فيها (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة) .وفي عجز المادة أشار إلى أن الإلزام يشمل كافة السلطات ،وأرى بأن كاتب الدستور ثبت عبارة (كافة) ولم يذكر كلمة (جميع) لتأكيد شمولية فعل الإلزام على الكل دون استثناء ،حيث نجد أن معنى كلمة (كافة) عند أهل اللغة بمعنى (والكافَّةُ الجماعة، وقيل: الجماعة من الناس. يقال: لَقِيتهم كافَّةً أَي كلَّهم. وقال أبو إسحق في قوله تعالى: "يا أَيها الذين آمنوا ادْخلُوا في السلم كافَّةً، قال: كافة بمعنى الجميع والإحاطة، فيجوز أَن يكون معناه ادخلوا في السِّلْمِ كلِّه أَي في جميع شرائعه، ومعنى كافةً في اشتقاق اللغة: ما يكفّ الشيء في آخره، من ذلك كُفَّة القميص وهي حاشيته) ،أما كلمة الجميع فإنها بمعانٍ شتى ،منها جمع الشيء وعلى وفق ما ورد في لسان العرب والفرق واضح لاستخدام كلمة كافة لتشمل السلطات القائمة ولا تدل إلا  على الكل، بينما كلمة جميع تعبر أحيانا عن المفرد في أسلوب التعظيم ،مثل قوله تعالى في الآية الكريمة (105) من سورة النساء "إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا " ومن ذلك فإن الدستور شمل كل السلطات القائمة في تاريخ كتابة الدستور أو التي ستقوم أو تتكون لاحقا، فضلا عن حكم الفقرة (ثانيا) من المادة (5) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 .ومن ذلك نجد أن حكم المحكمة الاتحادية العليا لازم وبات وواجب التنفيذ، والامتناع عن تنفيذه أو السعي لتعطيله يشكل فعل جرمه قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل على وفق حكم المادة (329) عقوبات الملمح عنها أعلاه ،ولابد من الاستشهاد بواقعة حدثت مؤخرا إذ صرح أحد أعضاء مفوضية الانتخابات (نقض المحكمة الاتحادية للمادة 13 من قانون مجالس المحافظات غير ملزم للمفوضية لأنها تعمل بقانون مشرع من مجلس النواب"،مستطردا "لكنه ملزم لمجلس النواب " ويقصد بذلك أن المفوضية غير معنية بتنفيذ حكم المحكمة الاتحادية العليا رقم ( 67/اتحادية/2012 في 22/10/2012 ) الذي قضى بتعطيل نص الفقرة (خامساً) من المادة (13)  من قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم (38) لسنة 2008 المعدل وإن صح الادعاء على ذمة وسائل الإعلام فإن من نطق به إما أنه يتعمد تعطيل حكم قضائي بات وملزم ويخضع لأحكام قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل أو أنه لا يعلم بأن الحكم القضائي قد عطل نص الفقرة (5) وأصبحت هي والعدم سواء، لأن فقه القانون الدستوري يعرّف تعطيل النص القانوني بموجب حكم القضاء الدستوري هو بمثابة إلغاء للنص ولا يجوز تنفيذه ويوجب على الجهات التشريعية إصدار تشريع جديد يعالج ذلك الفراغ التشريعي لأن حكم المحكمة الاتحادية العليا كاشف لبطلان النص ،وفي قرار للمحكمة الدستورية العليا في مصر المرقم 39 لسنة 1990 جاء توضيح لفكرة البطلان وتعطيل النص على وفق الآتي (استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن للحكم بعدم الدستورية أثراً رجعياً كنتيجة حتمية لطبيعته الكاشفة فقررت في أحد أحكامها " أن الأصل في الأحكام القضائية أنها كاشفة وليست منشئة ، إذ هي لا تستحدث جديداً ولا تنشئ مراكز أو أوضاعاً لم تكن موجودة من قبل ، بل هي تكشف عن حكم الدستور أو القانون في المنازعات المطروحة على القضاء وترده إلى مفهومه الصحيح الذي يلازمه منذ صدوره ،الأمر الذي يستتبع أن يكون للحكم بعدم الدستورية أثر رجعي كنتيجة حتمية لطبيعته الكاشفة بياناً لوجه الصواب في دستورية النص التشريعي المطعون عليه منذ صدوره ، وما إذا كان هذا النص قد جاء موافقاً للدستور ، وفي حدوده المقررة شكلاً وموضوعاً فتتأكد للنص شرعيته الدستورية ، ويستمر نفاذه ، أم أنه صدر متعارضاً مع الدستور ، فينسلخ عنه وصفه وتنعدم قيمته بأثر ينسحب إلى يوم صدوره ، وذلك يؤكد قصد المشرع في تقرير الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية ويؤيد انسحابه على ما سبقه من علاقات وأوضاع نشأت في ظل القانون الذي قضى بعدم دستوريته) ، وحيث أن عضو مفوضية الانتخابات وهو إما بحكم الموظف أو المكلف بخدمة عامة وعليه أن يصدر أوامره على وفق نص نافذ وغير معطل ولا ملغى وإلا عد أمره أو قراره معدوماً لإصابته بعيب الانحراف على وفق فقه القانون الإداري ولا تلحقه القضائية أو القانونية ويتحمل تبعات آثاره إن رتب أثراً ،ومثلما ذكر أحد الأشخاص أن اللافت للنظر أن أياً من السلطتين التشريعية أو التنفيذية أو أعضاء الأحزاب والكتل السياسية لم يستنكر أو يشجب تصريح عضو المفوضية المنوه عنه في أعلاه، لربما لأنه ينسجم وتطلعاتهم السياسية في الاستحواذ على أصوات لم تمنح لهم أو كما يطلق عليها سرقة أصوات الناخبين التي تصدى لها القضاء فوجّه مسيرتها نحو الصواب لحفظ الحقوق والخروج بمجالس نيابية وطنية أو محلية تمثل الأقرب إلى رغبة الناخب العراقي ،وهذا ما نؤكد عليه بأن القضاء هو الضمانة لحقوق الإنسان من كل خرق أو تعدّ من الغير، وأدعو مفوضية الانتخابات إلى مراجعة ما صدر عنها أو عن عضوها حتى لا يشكل فعلهم خرقا يعاقب عليه القانون وإنما نفترض فيها الاستقلالية والنزاهة ونعول على أدائها في انتخابات حرة نزيهة تعبّر عن حقيقة مطلب جمهور الناخبين .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. قيس حمزة كاظم

    الاستاذ سالم روضان الموسوي من القضاة اللامعين ومن الكنوز التي اتحفت المكتبة القانونية بالكتابات التي نحن بأمس الحاجة اليها..بارك الله فيه ووفقه للخير.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

عن المرجعية الدينية

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

 علي حسين يريد تحالف "قوى الدولة " أن يبدأ مرحلة جديدة في خدمة الوطن والمواطنين مثلما أخبرنا بيانه الأخير الذي قال فيه إن أعضاء التحالف طالبوا بضرورة تشريع تعديلات قانون الأحوال الشخصية، التي...
علي حسين

قناديل: انت ما تفهم سياسة..!!

 لطفية الدليمي كلُّ من عشق الحضارة الرافدينية بكلّ تلاوينها الرائعة لا بدّ أن يتذكّر كتاباً نشرته (دار الرشيد) العراقية أوائل ثمانينيات القرن الماضي. عنوان الكتاب (الفكر السياسي في العراق القديم)، وهو في الاصل...
لطفية الدليمي

قناطر: كنتُ في بغدادَ ولم أكنِ

طالب عبدالعزيز هل أقول بأنَّ بغداد مدينةٌ طاردةً لزائرها؟ كأني بها كذلك اليوم! فالمدينة التي كنتُ أقصدها عاشقاً، متلهفاً لرؤيتها لم تعد، ولا أتبع الاخيلة والاوهام التي كنتُ أحملها عنها، لكنَّ المنعطفَ الخطير والمتغيرَ...
طالب عبد العزيز

الزواج رابطة عقدية تنشأ من دون وسيط كهنوتي

هادي عزيز علي يقول الدكتور جواد علي في مفصله لتاريخ العرب قبل الاسلام ان الزواج قبل الاسلام قائم على: (الخطبة والمهر وعلى الايجاب والقبول وهو زواج منظم رتب الحياة العائلية وعين واجبات الوالدين والبنوة...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram