قد تبدو ظاهرة المستشفيات الأهلية أمراً طبيعياً في بلاد تخطو خطواتها باتجاه اقتصاد السوق ومثلها ستكون المدارس الأهلية وقطاعات أخرى مثل المولات وغيرها، لكن ترك الحبل على الغارب وإهمال الدولة لمراقبة القطاعات فهذا أمر آخر أيضاً، إذ من غير المعقول أن تتحول المستشفيات والصيدليات والمدارس الاهلية الى وسائل وأجهزة تُسلب المواطن ما يتقاضاه من الدولة من مرتبات. أو تسلبه ما يتبقى من حياته حتى.
معلوم إن المؤسسات الأهلية هذه إنما قامت على أنقاض مؤسسات حكومية هالكة، فخراب المستشفيات والمدارس وخروج الحكومة من قطاع التجارة كموّرد رئيس وغير ذلك نبّه المستثمرون المحليون الى شغِل الشاغر، الذي أحدثه الحدث السياسي بعد العام 2003، وكان يمكن أن يكون الأمر هذا داعيا للحكومة في القيام بمعالجة القطاعات التي أهملت، وتسارع الى ردم الهوة بين تعّجل القطاع الأهلي ونموه المضطرد وبين تباطؤ القطاع الحكومي وهلاكه المضطرد أيضاً.
بلغ عدد المدارس الأهلية في البصرة في الموسم الدراسي 2015-2016 (466) مدرسة وسيكون الرقم هذا قد إزداد بحلول الموسم الدراسي الحالي بكل تأكيد، في الوقت الذي أعلنت مديرية التربية إفلاسها، وعدم قدرتها على بناء مدارس جديدة، في وقت تزداد الحاجة فيه الى قرابة الـ 700 مدرسة وهذا أمر معجز الآن، لذا سيكون قطاع المدارس الأهلية هو المتحكم في قطاع التعليم في غضون السنوات القليلة القادمة، وهذه قضية لا تشكل ضررا بيّناً لكن ضعف وغياب قطاع الحكومة جعل من قضية التعليم في البصرة وفي العراق عموما بحاجة الى مراجعة ومعالجة، إذ من غير المعقول أن تصل تكلفة تعليم الطالب في السادس الاعدادي على يد مدرس خصوصي ولمادة واحدة مثل الانجليزي او الرياضيات الى خمسة ملايين دينار، باشتراط أن يكون الطالب ذكياً، وبمعدل يقارب التسعين.
ومثل المعاناة في قطاع التعليم تكون المعاناة في قطاع الصحة والمستشفيات الأهلية، ومن يُحصي المستشفيات الأهلية في البصرة يقع على رقم يزداد باضطراد، لكن المراجعين للمستشفيات هذه يحدثوننا عن مبالغ خيالية تستوفى منهم، إذ من غير المعقول أن تتجاوز كلفة معالجة مريض ما بالانفلونزا الـ 250 ألف دينار في أحد مستشفيات البصرة الأهلية، حيث يتم احتساب زرق ابرة أو قنينة ماء الشرب أو خدمة نقل مريض من ردعة الى أخرى بأكثر من عشرة آلاف دينار، هذه قضايا إن لم تخضع لمراقبة الحكومة سيكون لها مردود سيئ على مدخول وحياة المواطن الذي فقد ثقته بالقطاع الحكومي، إذ لم يكن لجوءه الى المستشفيات الأهلية بدافع البطر إنما بدافع من لم يجد حيلة في استرداد حياته.
غالبا ما يحدد الطبيب المختبر الذي سيرسلك إليه ومثل ذلك يعمل مع عيادة السونار وتخطيط القلب والايكو وتأخذ الوصفة منه(الراجيته) فيأمرك بالذهاب الى الصيدلية الفلانية، لكنك حين تستجلي الأمر ستكتشف إنهم جميعا يشتركون في مجمع طبي واحد، كل يأخذ حصته منك، وبعد لأيٍ ستعلم إن الاسعار في المختبر الآخر والصيدلية الأخرى مختلفة وأقل تماما، أو هي أكثر دقة وهكذا. أسعار الدواء التي من المنشأ ذاته والكفاءة ذاتها في الصيدلية بمركز المدينة ستكون مختلفة عن أسعارها في صيدلية اخرى. في النهاية سيكتشف المريض بان سعر موته قد يكون أقل تكلفة هو الآخر خارج العراق.
في تكلفة الحياة والموت بالعراق
[post-views]
نشر في: 31 أكتوبر, 2017: 09:01 م