TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حصــر الســلاح

حصــر الســلاح

نشر في: 16 ديسمبر, 2017: 04:46 م

adnan.h@almadapaper.net

 

طبيعي أن تُشدِّد الحكومة القول بأهميّة وضرورة حصر وجود السلاح في يد الدولة، ومنطقي أن تدعو المرجعيّة الدينية العليا إلى تحقيق هذا الأمر، وبديهي أن يستقبل المواطنون دعوات ومطالبات من هذا النوع بالترحاب والتأييد، بعدما انتهت أو كادت مهمة دحر الإرهاب.
الدولة، بنظام ديمقراطي خصوصاً، تعني الفرص الأوفر لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والعدالة، وهذه من أهم ما ينقصنا وما نفتقده في حياتنا منذ عقود من الزمن، وبخاصة في الأربع عشرة سنة الماضية التي غاب فيها الأمن والاستقرار والتنمية والعدالة على نحو مروِّع.
خروج السلاح من يد الدولة إلى غيرها يعني ضعف الدولة، وضعف الدولة يترتّب عليه بالضرورة إطلاق العنان للتشكيلات الخارجة على القانون من عصابات وجماعات مسلحة غير نظامية لا يطول بها الزمن لكي تتمكن من الدولة والمجتمع، فيسود قانون الغاب بديلاً عن قانون الدولة المُصمَّم لضمان سلامة المجتمع وعيشه الكريم، فالسلاح السائب يعلِّم الخروج على القانون.
أكثر ما عانى منه العراق في تاريخه هو العنف، بمختلف أشكاله، حروباً داخلية وخارجية مُهلِكة ومدمّرة، وإعدامات جماعية، وقتلاً واغتيالاً.. ما مرّ عام في العراق من دون أحداث عنف مروّعة. طاقة المجتمع العراقي استُنزِفت على هذا الصعيد، فالعنف يتسبّب في محن ومآسٍ فظيعة وخسائر مادية جسيمة. والحال إنّ الأمن والاستقرار والتنمية والعدالة لم تعرف طريقها إلينا بعد بسبب مسلسل العنف المتواصل بلا انقطاع.
بعض المؤمنين بالحشد الشعبي والمتحمّسين له متحسّسون من الدعوات لحصر السلاح في يد الدولة بما يؤدي إلى حلّ الحشد الشعبي أو دمجه بالمؤسسة العسكرية والأمنية الحكومية، ويقدّم ما لا عدّ له من الحجج والذرائع لتبرير هذا التحسّس. والواقع أن معظم هذا البعض إنّما يفكّر بأنّ حلّ الحشد أو دمجه، بعد انتهاء مهمته، يهدف إلى إضعاف نفوذ الشيعة في السلطة، وقد يجمح الخيال بالبعض حدّ اعتبار ذلك”مؤامرة”ضدّ الشيعة.
بالحشد الشعبي ومن دونه، الشيعة لهم النفوذ الأعظم في الدولة، بمؤسساتها المختلفة، بما فيها العسكرية والأمنية، بحكم نسبتهم السكانية الغالبة.
لا يوجد أفضل ضماناً لنفوذ الشيعة وغيرهم في الدولة العراقية من التزام النظام الديمقراطي وتوطيد أركانه. في الدول الديمقراطية لا يشعر أيّ مكوّن قومي أو ديني أو مذهبي بالتهميش وعدم التمثيل ونقص الحقوق، لأنّ الآليات الديمقراطية تجعل حتى من الأقليات وأحزاب المعارضة شركاء في إدارة الدولة ورسم السياسات وصوغ القرارات.. الهند مثال، فهي تحفل بالعشرات من القوميات والديانات والمذاهب وبالمئات من الحركات السياسية، بيد أنّ أحداً من هؤلاء لم يسعَ إلى تشكيل ميليشيا أو جماعة مسلّحة، ذلك أنّ النظام الديمقراطي للهند يضمن للجميع الأمن والاستقرار والتنمية والعدالة.
حصرُ السلاح بيد الدولة فيه مصلحة فائقة للشعب العراقي بمختلف قوميّاته وأديانه ومذاهبه، لأنه يجعل من الدولة متمكِّنة ومُهابة. على أنه لا ينبغي فهمه على أنه يعني فصائل الحشد وغيرها من الجماعات المسلحة غير الخاضعة لسلطة الدولة، بل يتعيّن أن يشمل كلّ أشكال السلاح المحمول خارج الدولة، وبينه سلاح العشائر الذي يعلب الآن دوراً كبيراً في استمرار مسيل الدم وتمزيق نسيج المجتمع العراقي، وفي تعويق معافاة الدولة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. علي عبدالرزاق

    استاذ حسين اثبتت الوقائع والاحداث ان ما يدعيه بعض السياسيون او يرفعون من شعارات طائفية او دينية ليست لها اساس عقائدي ولاتنم عن مصلحة للطائفة او القومية بل هي منافع وفوائد شخصية و حزبية يجنيها من يرفع هذه الشعارات واذا ظل هؤلاء من يتحكم في قرارات الحكومة ف

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram