أجدني محرجاً في امتداح وطني، ساعة يجمعني مجلس ما مع آخرين، غير عراقيين، فأجدني مضطراً للحديث عن ماضي البلاد. فأقول سومر وآشور وأكد، وأقول بابل وبغداد والبصرة ونينوى، أقول حمورابي وسرجون الأكادي ونبوخذنصر وعبد الكريم قاسم، وأقول ميزوبيتيميا ودجلة والفرات وشط العرب ووادي الرافدين والسهل الرسوبي، أقول أرض السواد وغابة النخل وحقول الحنطة وبرتقال ديالى ورمان كربلاء وبطيخ سامراء ورز العنبر في المشرّح وأقول أشياء كثيرة، لكنْ كلها في الماضي.
أريد أن أفاخر بأشياء نزرعها وأخرى نصنعها وأماكن ومباني جديدة، وشوارع نظيفة وساحات جميلة، لكنني لا أجد شيئاً. أريد ذكر أسماء زعماء وطنيين شرفاء أفاخر بهم، لكنني أخجل من ذكر أسماء وزراء وسياسيين ودبلوماسيين واقتصاديين ومحافظي بنوك. بصراحة أجد أن اسماء مثل نوري المالكي وإبراهيم الجعفري وإياد علاوي وجبر صولاغ وعمار الحكيم وماجد النصراوي وصلاح عبد الروزاق وعبد الفلاح السوداني وموفق الربيعي وأثيل النجيفي وحارث الضاري والعشرات من مثلهم أسماء ترتطم بحنجرة الوعي، وتعافها ألسن الحق والوطنية ويهملها منطق الانتماء.
أنا رجل عراقي، مثلي مثل الملايين المحرجة في قضية مثل هذه، نريد وطناً نتحدث عنه بفخر مع الآخرين، نريد مدنا مشرقة نسميها مثل أسماء مدننا المشرقة في التاريخ، ونريد سياسيين مثل أولئك العظام، لا يكفينا ذكر أسماء شهدائنا في صناعة وطن كبير، إلى متى سنظل نلهج بذكر أسماء مثل شعلان ابو الجون والشيخ ضاري ويوسف سلمان يوسف (فهد) وسلام عادل وعارف البصري ومحمد باقر الصدر وعبد المحسن السعدون.. وإلى متى سنظل ننبش كتب التاريخ للبحث عن مأثرة لنوري السعيد وصالح جبر وأحمد حسن البكر، إلى متى سنقول: مدينة الرشيد والعصر الذهبي وبساتين ديالى وطريق ابو الخصيب وبرحي البصرة. أين نحن اليوم، نريد رجلا شريفاً في السياسة نتقدم به مرحلتنا الجديدة.
واحدة من أحط صور المرحلة الحالية تلك التي تساجل فيها وزير الخارجية ابراهيم الجعفري مع مستشار الامن القومي موفق الربيعي، صورة للرثاثة في السياسة العراقية، بين شخصيتين كبيرتين، بحسب منصبيهما، لا بحسب شخصيهما طبعاً، كيف يمكنني أن أنتمي لبلاد يمثل سياستها شخص فاقد للذاكرة وخرف مثل الجعفري بتوصيف الربيعي، وكيف أكون آمناً على أمني القومي من خلال شخص اسمه موفق الربيعي، الذي يتحدث بتفاهة التفاهات في أي مقابلة يجريها؟
تحدثنا ما فيه الكفاية عن ظلم صدام حسين ونظامه الدكتاتوري، قلنا فيه ما لم يقله الالمان بحق هتلر، شتمناه ولعناه وصارت حقبة البعث من الماضي، بعد أن علقنا على شماعتها كل ما بين أيدينا من منتجات الخراب، سمعنا وشاهدنا وكتبنا كل من فعله من قتل ونفي وحرمان ضدنا نحن مجتمعين، لكن وماذا بعد؟ نريد وطنا مثالياً بمدنه وأناسه وطبقته السياسية والثقافية والاقتصادية، حتى إذا قام بعثي من قبره شهرناه أمامه قائلين: أنظر. هذا العراق الذي كنتم قتلتم. يكفينا حديثاً عن الدكتاتوريات وحقب الموت والدم والكراهية، مثلما يكفينا حديثاً عن فشل حزب الدعوة والاحزاب الاسلامية في إدارة البلاد، إذ لا يمكننا أن نبقى أسارى المفاهيم تلك، الشخوص القبحاء هؤلاء، هذا وطن لا يختصر بحزب، أي حزب، مثلما لا يختصر بشخص، أي شخص.
أريد وطنا يمثلني وأحبه
[post-views]
نشر في: 16 ديسمبر, 2017: 09:01 م