حسن ناصرناقوس الخطر يدق ، فالزراعة في ارض السواد في خطر ، والأرض الخصبة الثرية في وادي الرافدين مهددة بالتصحر ، والنخلة رمز العراق الشامخ قد انحنى جذعها خجلاً ، فمن اكتشف الزراعة وعلمها للعالم ، أصبح بحاجة لمن يعلمه كيف يزرع ؟ شحت الارض بعطائها ،
بعد ان تمرد الفلاح عليها ، جادت عليه الأرض بخيراتها فقابلها بجحود وجفاء ، كان يرزح تحت ظلم الإقطاع يملأ جيبه وكرشه ، ولم يجد ما يسد به رمقه ، تحرر الفلاح وتملك الأرض وقبلها حريته ، وما كان يجود به لسيده بخل به على نفسه ، والجهد الذي بذله بالأمس أصبح اليوم يتعبه ، وشمس الصيف وخيراتها راحت تضجره ، والمطر الذي يهطل بخيراته أصبح لا يطيق أوحاله ، وراح يسخر من أقرانه ، من يتعب منهم ويجد في عمله ، فيزرعون ؟؟؟؟ زراعته ، فأطلق العنان لمخيلته واسماهم (حساوي) ، وكانت الأرض تجود وتجود ، هجر الأرض وان زارها فهو ضيف ، وسكن المدن واصبح دلالاً وتاجراً ، وقد تراه في معرض للسيارات وقد أصبح فريسة للمحتالين ( سنوات عجاف ذاق مرارتها العراقيون بحصار لا ذنب لهم فيه ، كان فيها يزداد ثراء وتعالياً ، نسي الأرض وما تعطيه فهي المعطاء ، وتعود أن يأخذ منها فلا يعطيها ، ذهب نظام وجاء آخر ، وفلاحنا ما زال يريد ويريد ، يريد دعم الدولة لأرضه ، ولا يدعمها هو بما أجادت من خيرها إليه ، وقف مع طوابير المتطوعين ، وأصبح جندياً او شرطياً ، او فراشاً، لا يهم ما دام سيبتعد عن الأرض ، وعند الحديث عن الدعم يتذكر بأنه صاحب ارض ، الأرض التي هجرها ونسي زراعتها ، واستولى السبخ على خصبتها ، ثم جعل من نفسه مساحاً وراح يخطط الأرض ويفرزها ، ويقطعها ارباً ارباً ليحولها الى قطع سكنية ، فالأرض ما زالت تدر عليه الأموال الطائلة ، ولكن ليس في زراعتها، بل في تدميرها ، والدولة منشغلة عنه تاركة إياه يفعل ما يشاء ، وتحاول أن تنوء بنفسها عن لائمته ، فهو ثرثار وكثير التشكي ، دعمته بالسماد فباعه في الأسواق ، دعمته بالقروض استغلها في غير الأرض ، فيما بقي من كان موضع سخريته على حاله ، يكد ويشقى ، ومهمل في طي النسيان ، فهو بعيد عن مجالس المتملقين والوصوليين فالكلام ليس صنعته ، وترك الكلام لأصحاب الكلام ، وراحوا ينسبون معاناته لأنفسهم ويستولون على حصته من الدعم الحكومي والدولة بعيدة عنه ، لا تسمع له صوتاً ، فصوته ضعيف لا يسمع وصوتهم يعلو عليه ، وإدارت الدولة ظهرها لهذا الفلاح ، المجد المثابر ، وظل يكابد عناء الأرض وهو الذي تمسك بها ، فالأرض لم تعد نفس الأرض بالنسبة لهذا الفلاح ، جفاف وملوحة ، وأجور نقل باهظة ، ودعم يسمع عنه فلا يلمسه ، وأصبح حائراً في فائض إنتاجه ، فالدولة أغلقت مصانعها بانتظار المستثمر ، فعليه ان يدور في الأزقة بما وهبته له الأرض ، فالسوق قد اغرق ، وعليه تصريفها بابخس الأثمان قبل أن تتلف . وقد يهجر الأرض مرغماً ، ويترك أرضه عرضة للتصحر ، وقد يبحث عن عمل فلا يجده ، فينضم إلى جيش العاطلين يبحث عن إعانة الدولة له ، فلم تعنه الدولة وهو منتج ، فلعلها تعنه وهو عاطل!,
الزراعة بين قلة الدعم وهجرة الفلاح
نشر في: 1 مارس, 2010: 05:05 م