قصص العابرين فيلم قتيبة الجنابي الوثائقي الطويل الذي شارك في مهرجان دبي الأخير توثيق لأربعين عاماً من الترحال والمنفى، هو أيضاً سيرة المخرج الذي جال في المنفى كل هذه السنين، والتي تجلت بصور فوتوغرافية وأفلام قصيرة لم يعرض قسم منها حتى الآن.
كنت أصور فوتغرافياً بعين واحدة والعين الثانية كنت أصور سينمائيا.. هذا مايقوله المخرج العراقي قتيبة الجنابي الذي يعيش منذ أربعين عاما خارج بلده ويستقر الآن في لندن، بدأ بالتصوير الفوتوغرافي ولم يكن يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، هاوٍ ثم محترف في أحد الصحف البغدادية لكن ذلك لم ينسه عشقه الأول للسينما.. التي ولجها بأفلام قصيرة حظيت باهتمام نقدي مهم، لكنه يراها تمرينا قبل خوض تجربته الأولى في الفيلم الروائي الطويل من خلال فيلم (الرحيل من بغداد) الذي عرض لأول مرة في مهرجان دبي السينمائي العام الماضي واستقطب اهتماما نقدياً يستحقه..
أفلامه لم تخرج عن موضوعة المنفى أكثر من 40 عاماً وهو يصور في محاولة لتحويل المأساة الى مساحة آبداعية شديدة الخصوصية وقوة دافعة للامام، كان يود أن يدون المنافي والايام فوتغرافياً وسينمائيا مازجاً أحاسيس انسانية مشتركة لكل من يتعرض لفقدان الأحبة والابتعاد القهري عن المكان الاول.. فيلم بدأ العمل به قبل اربعين عاما مشروع ذاتي وذو تمويل ذاتي ابتداء من اللقطة الاولى.
أبطال الفيلم يعكسون شخصية واحدة وخوفاً واحداً ويعانون من صوت المذياع ..هذا الجهاز الذي أخذ الكثير من حياة العراقيين، وهي ليست شخصية المخرج، ..وإنما الانسان الذي يُقلع من جذوره ويدخل متاهات المنفى والغربة والبحث عن حدود الوطن.
يبدو الفيلم غير مكتمل فالفيلم والمناخ التصويري وشخصياته كلها كانت بالواقع بين حالة الحلم والكابوس، بين الحروب وفقدان الأحبة والتمزق الروحي والمكاني ..فالمخرج عاش المنفى القاسي روحياً ..مملوءاً وممزوجاً بأحاسيس (والده) المغيب قمعياً. لذا فان التصوير عكس روح وخلاصة أن تكون منفياً وممزقاً بالبحث عن سر الوالد المفقود.
تضمن الفيلم عرضاً لصور فوتوغرافية في أمكنة وأزمنة مختلفة ترسم حدود المنفى وتشير إليه، صور ترتهن موضوعاتها بشروط المنفى وعسفه، حملها قتيبة الجنابي هذه السنوات كصليب. ومثلما تضمنت هذه السيرة افلاماً صنعها المخرج خلال مسيرته والتي حاكت موضوعاتها جوانب المنفى.. ففيلمه الروائي الطويل (رحيل من بغداد).. إلى أي مدى يلقي المنفى بكل تفاصيله وهمومه بظلاله على منجزك الفني، فهو تتويج لهذا المسعى بعد سلسلة من الأعمال عزفت على وتيرة هذه الثيمة.. لقد حاول في هذا الفيلم وطبقاً لفهه الخاص للمنفى أن ينقل العراق إلى المنفى وليس العكس، فالعراق كان منفياً أيضاً بشخوصه وأحداثه، فالمنفى صار جزءاً من الثقافة العراقية.
أما في فيلمه القصير (حياة ساكنة) فكانت هناك العزلة أيضاً بل الموضوع نفسه هاجس الملاحقة والخوف من المجهول
ففيه حاول رصد أثر العيش في المنفى والخوف من قدر يترصده .وهو عن رجل في مكان (في الفيلم غرفة صغيرة) في إحدى بلدان الشتات يشعر بأنه مرصود من الآخر المتربص له في الشارع أو المقهى أو في الباص وربما هو ليس إلا وجوداً شبحياً اسكنه الخوف في رأس هذا المنفيّ.. وهو شعور توضح أكثر في (الرحيل من بغداد) ربما لأنه فيلم روائي طويل ويتيح هامشاً كبيراً لإيضاح التفاصيل.. باختصار إنها تجربة حياتية ..
قصص العابرين.. المنفى من خلال سيرة مخرج
[post-views]
نشر في: 13 ديسمبر, 2017: 03:11 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...