في سبتمبر 2016 جئت لمدينة غراتس بصفتي شتاتسشرايبر (كاتب المدينة)، أقيم على قمة هضبتها العالية في مركز المدينة، في قصر تشريني الواقع على منحدر الهضبة، لمدة عام، في ذلك البناء الذي يعود طراز بنائه للقرن التاسع، 1820 بالضبط، وأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، والذي هو منذ عشرين عاماً وبعد ترميمه بين عام 1995 وعام 1997، مكاناً لعمل للكتاب و ملجئاً للفنانين المطاردين في بلدانهم، أجلس هناك في هذا البيت الجميل، أكتب بهدوء ومن خلال شباكي، أرى المدينة تحت نظري، تمتد بأبنيتها وشواعها عند نهاية المنحدر في الوادي، أنها مدينة صغيرة مقارنة ببرلين، حيث أقيم أصلاً، لكنها جميلة بمعمارها وخضرتها، فقط في أيام الشتاء، في تلك الليالي التي يكثر فيها الرعد والبرق والمطر، والتي أكون فيها وحدي في القصر، كان يصعب عليّ النوم أحياناً، نوع من الخوف يستحوذ عليّ، على الأقل حتى زيارتي لمخل حلاقة"المقص الذهبي"في غراتس.
عثرت على المحل بالصدفة، في شارع إدولفغاسة، في الحقيقة لفت نظري الاسم،"حلاقة المقص الذهبي"، يا للإسم الأسطوري، فكرت، كأن الرجل قادم من حكايات ألف ليلة وليلة، لماذا لا أجرب حظي هنا، خاصة وأن شعر رأسي طال؟ كان باب المحل مفتوحاً، رأيت رجلين يجلسان على يسار الصالون في العمق، فصلتهما ستارة صغيرة، تشبه ستارة حمام، كأن الرجلين جلسا بشكل تآمري، ينظران من طرف الستارة لكل قادم جديد، أحدهما عمره في الخمسين، الثاني في الثلاثين، الأول هو الحلاق، الثاني صديقه، الإثنان جاءا بقارب واحد 2015، هاربين من سوريا.
بعد السؤال عن الصحة والأحوال روى لي الحلاق، كيف أنه أختار بنفسه المجيء إلى غراتس، كان قبلها في فيينا، في معسكر للجوء، لكنه عندما بحث في الانترنيت عن فرصة للعمل في النمسا، وجد أكثر الفرص في غراتس. فرحته تمت"على نصفها"، لماذا؟ أنها العنصرية، يا أخي، قال، رغب أصلاً فتح محل حلاقة للرجال والنساء، لكن العجوز في مكتب العمل، عنصرية، قالت له، كيف تريد إذن أن تحلق وتصفف شعر النساء وزوجتك تغطي شعرها؟ وعندما قلت له، ربما المرأة على حق، لا علاقة للأمر بالعنصرية، أجابني، لكي يثبت لي العنصرية هنا، روى كيف أن صديقاً له، جاء معه، عمل في الإمارات العربية المتحدة استاذاً في الجامعة، وللصدفة حكى في مكتب العمل، أنه كان يعتني بحديقة بيته، فما كان من العجوز أن قالت له، إذن تعمل حدقجي في غراتس. حدقجي والصديق يريد العمل استاذاً للأدب الانكليزي في الجامعة؟ سألته، هل يتكلم صديقك الالمانية؟ ما هي حاجته للألمانية، إذا كان يُدرّس إنكليزي؟ قال لي، ثم هو يتكلم الألمانية وأحسن من العجوز، تعلمها في أبوظبي، أجابني، هنا تدخل الصديق الصغير السنّ، ربما خجل من مبالغات الحلاق، سألني، إذا كنت قادماً من المانيا؟ ثم سألني عن مدينة غِيسين، وهو يسألني، لأن صديقاً له، يصر على الذهاب إليها، كلما أرسلوه إلى معسكر للجوء في النمسا، يقدم عريضة للانتقال إلى غيسين، رفضوا طلبه، الآن يخطط للهروب إلى غيسين. لكن لماذا ليس مدينة غيرها؟ سألته، لا أدري، قال، كيف لا تعرف، قلت، لم أسأل صديقي، أجابني، وربما أثار الحاحي بالسؤال الحلاق، لأنه تدخل هذه المرة، موجهاً كلامه إلى صديقه، عليك أن تقول له أي سبب كان، لأن الأخ، قال وهو يؤشر بالمقص ناحيتي، يعمل رجل أمن.
أمر عجيب، قلت لنفسي، يأتي العرب يفرون من بلدانهم، ويرون الشرطة السرية تطاردهم في كل مكان، الحلاق سوري، ومن عاش في بلاد يحكمها ديكتاتور، لا يستطيع أن يفكر بغير ذلك.
العرب المطاردون من ديكتـاتـورياتهــــم
[post-views]
نشر في: 12 ديسمبر, 2017: 09:01 م