سررتُ جداً بكلمة رئيس جمعية آل البيت، حامد الخفاف التي قرأها في افتتاح مهرجان الصادقَيْن الشعري الرابع، الذي انعقد في لبنان والتي كانت تحت عنوان”الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، جملة الإمام علي الشهيرة. وهي كلمة متوازنة، بحق، تمركزت حول الأخوة والمساواة بين الناس، ومعلوم أنَّ الكلمة تلك، هي من بعض كلام قاله الإمام لعامله مالك الاشتر على مصر، ذات الغالبية المسيحية كما تذكر كتب التواريخ، والتي وجدت ضالتها الى قلوب أهل مصر على الرغم من وجود جيوش المسلمين الفاتحة.
وجدتُ أنَّ شخصيات متباينة المذاهب كانت حضرت المهرجان، فيهم السني والمسيحي بالاضافة الى الشيعي، ومن المعلوم أيضاً أنَّ لبنان ليست النجف، وليست كربلاء أو البصرة، حيث التعايش بين الاديان والمذاهب يتخذ منحى اكثر تسامحاً، على الرغم من الشد والتقلب في السياسة اللبنانية، التي تتعرض الى ضغوط خارجية قاسية، لكن طبيعة التركيبة المجتمعية هناك تختلف بكل تاكيد، فالحياة في بيروت والمدن اللبنانية الأخرى تجاوت عقد الطائفية الى حب لبنان والولاء لها واحترام المعتقد بأي شكل كان، حتى لم يعد اللبناني المسلم المتزمت يعترض على سلوك جاره المسيحي المنفتح.
ولكي نتلمس صدى الخطى تلك داخل العراق بودنا أن نبيّن بان الخطاب هذا يمكن أن يصار الى خطاب مثله في مدننا، ومن على منابرنا ومن أفواه خطبائنا، ولعمري، فأني أجد أن الفرصة مؤاتية جداً لصوغ خطاب اسلامي، موجه للعالم، لكن بلسان شيعي هذه المرة، بعد أن كره العالم الخطاب الاسلامي الذي وصلهم عبر اللسان والكتاب الممارسة السنية، طوال قرون من الزمن، الخطاب الذي سُوّق عن طريق فقهاء التشدد والكراهية والاحتراب، وعبر قنوات المذهب الوهابي، المتمثلة بالقاعدة وابن لادن والزرقاوي وداعش والبغدادي، وقد تعارف العالم على دين حدوده القتل ومفاصله السبي وقانونه رفض الآخر المختلف، والذي يقول دائما بافضلية المسلم على سائر بني الناس، في صورة مشوهة، آن أوان وضوحها.
يحدثني أحد مشايخ الحوزات عن موقف آخر عند الشيعة من قضية الفتوحات، وهناك رأي غير ما نعرفه عن الغزوات، ويتحدث شيوخ شيعة عن تسامح مارسه الإمام علي أيام حكمه في النجف مع الاديرة والكنائس، ويعرف الاشقاء المسيحيون والمندائيون في العراق أن الطائفة الشيعية في الوسط والجنوب كانت الاكثر تسامحاً معهم عبر التاريخ والعيش المشترك، ولولا دماء المقاتلين الشيعة لما تحررت المدن والقصبات في الموصل وسهل نينوى، هناك حزن وشجن ومحبة ورقة تجمع القلبين الشيعي والمسيحي-مع يقيننا بوجود ما يعكر ذلك عبر ممارسات فردية – إلا أن الخصوصية الجميلة هذه لم تفعّل كما ينبغي لها.
ما نود قوله هنا إن فقهاء ومراجع الشيعة في العراق ولبنان وإيران مطالبون بمراجعة المتون في الكتاب والسنة والسير والتواريخ، بما ينسجم مع مصلحتهم ومصلحة الناس عموماً. سقوط الخطاب السني المتشدد لا بد من مقابلته بخطاب شيعي منفتح، الفرصة تاريخية لكم، والمتغير الكوني يميل لصالحكم، استثمروا فسحة الزمن بتجديد الخطاب القديم عبر ممارسة انسانية تقبل الآخر، أياً كان دينه ومعتقده ومذهبه.. ولكم في سيرة وعمل الامام علي الاسوة الحسنة.
الفرصة الذهبية في التاريخ
[post-views]
نشر في: 9 ديسمبر, 2017: 09:01 م