علي حسن الفوازالسياسيون العراقيون يطلقون العنان عاليا لاصواتهم الانتخابية في اللحظات الاخيرة قبل الاعلان عن الصمت الانتخابي، ويؤجرون لهذه الطقوس الصوتية حناجر وطناجر اخرى لزيادة جرعة الافصاح عن الكلام المباح، والاستحضار لليالي الملاح..rn
فهل كانت هذه الصناعة الصوتية الاستثنائية هي الخيار المثالي الى طريق الحرير الانتخابي؟ وهل كانت هي المجسّ السحري لملامسة احزان الناس واحلامهم واحباطاتهم من تاريخ سياسي طويل لكنه قاس ومرعب؟ وهل ان الناخبين العراقيين سيكونون في هذه القياس هم الاشبه بنمط المريدين الصوفيين الذين يبهرهم الصوت العامر بالسكرة والنوايا الحسنة والبهجات المؤجلة؟ ما نسمعه ومانراه ومانشاهده اليوم من مظاهر مفتوحة على غرائبية الديمقراطية العراقية قد يعكس هوسا جميلا بالتلذذ بما تمنحه السيدة الديمقراطية من مباهج عالية الغواية، وما تحرضه على ممارسة كل ما هو حلال في البوح، لكنه يعكس ايضا الرغبة غير المعلنة للسطو على مايبطل بعض الحلال حينما يكون الصوت صادما، وحادا، ومصنوعا بطريقة قد تثير الغموض والتساؤل وتخديش مزاج الاخرين، وكأن هذا الصوت يحتاج الى سياسة تعديل في الايقاع للابقاء على(التون)الديمقراطي انيقا وباعثا على السعادات(المؤجلة) التي لم يعد يفرقها أي هادم استبدادي، واي ملتصص يصنع تقاريره بدقة متناهية لسلطان لاهمّ له سوى ان يراقب ويسد المغالق ويحصي انفاس العابرين. بهجة المشهد الانتخابي رغم كل هذه الغابة الصوتية، فانها تكشف من جانب اخر عن رغبات عميقة في التعبير عن ثقافات سرية لم يتخلص منها الكثيرون، تلك التي تتعلق بصناعة الشهرة والمجد وعلو الكعب والتخلص من كل غبار ثقافات المسكوت عنه وماتبقى من صناديق العائلة القديمة، وتلك التي تتعلق بنيل اكبر الامتيازات التي يختلط فيها البريء وغيره. فضلا عن نوايا البعض في التعويض عن تاريخ طويل من الخسارات والعزلات والطرد المنجي الذي ارتبط بتاريخ السلطات والايديولوجيات، لكن البعض الاخر وهم اصحاب النوايا الطيبة والذين مازالوا ينحاوزن الى المستقبل، يدركون ان هذه اللعبة العسيرة ليست هي الطريق الى الضفة المقابلة من الشارع، وليس هي التبديل الفوري للاقنعة، بقدر ماهي سلوك واجراءات وثقافة تطهير كاملة لزمن سياسي واخلاقي ومؤسساتي صنع من السياسين بقدر ما صنع من اللصوص، وصنع من الجنرلات بقدر ماصنع من فقهاء الظلام.كل هذا، وبقدر ما فيه من رغبات دفينة وعميقة، فانه يحتاج الى صناعة استثنائية لاصوات ليست عالية بالضرورة، لكنها واضحة، يمكن ان تعيد لعبة الانصات الى سياقها الصحيح، ولعبة تبادل المنافع الصوتية بطريقة لاتخدش احدا، ولاتهيج احدا ضد احد بالتكفير والخيانة والزندقة والمروق كما يفعل البعض من سياسي الاصوات، اذ ان صناعة الدولة/الامة هي الصناعة الثقيلة التي تنظر الجميع، وهي الكنز الصوتي الذي نحتاج الى ذخائره في يوم عسير، حين يقف الجميع امام مسؤولياتهم، وامام الناس الذين لم يعودا بذات السهولة التي يمكن استغالهم من خلالها. لقد ذهبت فوبيا الخوف، وجرعات السم القديمة التي دسّها عسس النظام القديم تحولت الى نوع الترياق الذي بدأ الجسد الشعبي الوطني ينزع منه شفرته السمية، لذا باتت مواجهة الناس المريدين وغير المريدين هي المهمة الاخطر في مكاشفة الرهانات، وفي الكشف عن الخفايا من خرائط قد لاتؤدي الى الحرير ولاهم يحزنون، بل تؤدي الى المزيد من الاحزان والانتظارات. قبل بدء العد التنازلي للموسم الانتخابي تبدو هذه المظاهر حاضرة بقوة غير مسيطر عليها، وحافلة بكل ما تحمله لعبة الصوت من ترطيب وتشهي ونداء، ولعلنا نحتاج الى نوع من الاستقراء لظاهرة الانثربولوجيا الصوتية للكشف عن طبائع هذه النبرات عن غيرها، وطبائع هذا المقام عن غيره، ليس لبيان من هو الاطرب ومن الأكثر قدرة على شحن الجمهور، بل الكشف عن حجم الصدق الذي يمكن ان يرمم تاريخ الكذب الطويل الذي(لفلف)الحياة العراقية بقيود غليظة واوهام اكثر غلظة وباعة كلام من النوع الغليظ حدّ الاختناق.. بودي ان اسمع صوت الديمقراطية وان اتلمس سعاداتها، وبودي ان التذ بشهوانية هذا الصوت الغاوي، لاصحو عن صبحاتها منتشيا، حاملا فانوسي واحلامي الى الضفة الاخرى الاشد توهجا..rn
سعادات ديمقراطية
نشر في: 2 مارس, 2010: 04:52 م