لا جدال في أن اليابان هي أحد اكبر الاقتصاديات العالمية، لكنها على عكس ما يبدو، ليست محصنة ضد الفقر الذي يقاسي منه العديد من أهاليها وبمعدلات متزايدة مؤخرا. فقد استيقظت اليابان، التي تعاني الكساد الاقتصادي منذ بداية التسعينيات، الذي تفاقم على ضوء الأزمة المالية العالمية، استيقظت لحقيقة تنامي الفقر بين أهاليها فقط في تشرين الاول عام 2009 عندما أصدرت الحكومة،
لأول مرة في 45 عاما، دراسة تكشف القناع عن مدى تصاعد مؤشرات الفقر في البلاد. وأعلنت وزيرة الصحة والرفاهية اليابانية حينذاك، أكيرا ناغاتسوا، أن 15,7 في المئة من المواطنين اليابانيين و 14,2 من أطفال اليابان وشبانها تحت سن 17 عاما، كانوا في حالة فقر نسبي حسب بيانات استطلاع لعام 2007. كما كشف تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2006، وهي المنظمة التي تضم 31 دولة متقدمة في العالم، أن اليابان تلي الولايات المتحدة فورا من حيث وضع الأطفال الذين يعيشون في حالة فقر نسبي. وعن هذا، صرح دكتور ايا ابي كبير الباحثين بقسم البحوث والتعاون الدولي في المعهد الوطني لأبحاث السكان والأمن الإجتماعي في طوكيو، أن «الفقر كان موجودا دائما في اليابان، وتفاقم حجما وعمقا في السنوات الأخيرة». وقال أن عددا كبيرا من أطفال اليابان «يعيشون الآن وسط معدلات فوق العادية من الفقر». وشرح يا ابي، مؤلف كتاب «فقر الأطفال» الذي حظي بانتشار واسع، أن اليابانيين آمنوا لعقود طويلة بأن غالبيتهم ينتمون إلي الطبقة وإن كان بدرجات متفاوتة، ولا علاقة لهم بالفقر لا من قريب أو بعيد. كما اعتبروا أن الأطفال الفقراء يمثلون مجرد حالات منعزلة. وبدورها، شرحت ماسانوري ماتسومورا، التي عملت كمعلمة مدارس طيلة 30 عاما، أن أعدادا متنامية من الأطفال اليابانيين يعجزون حتى عن تحمل نفقات المواد الدراسية، وأن «الفقر الذي تتوسع دائرته مؤخرا يضر بهم أكثر فأكثر باعتبارهم أكبر ضحاياه». وأضافت ماتسومورا، العضوة في اللجنة التنفيذية في نقابة المعلمين في طوكيو، أحد أكبر اتحادات معلمي المدارس في اليابان، أن نقابتها أجرت في عام 2008 دراسة في 30 فرعا لها حول مشاكل الأطفال الفقراء، كشفت النقاب عن انتشار مؤشرات الفقر المتنامية في مختلف أنحاء اليابان. وذكرت علي سبيل المثال أن بعض أولياء الأمور، خشية فقدان وظائفهم، لا يجسرون على طلب إجازة حتي ليوم واحد للمشاركة في اجتماعات المدارس والأنشطة المدرسية. وتبين أن بعضهم يعملون في وظيفتين أو ثلاث وظائف مختلفة في نفس الوقت. وقالت أن هذا الوضع يسفر عن كلفة اجتماعية عالية. فينمو الأطفال وسط الإحساس بالإحباط، يتجسد على شكل تصرفات عنيفة في الفصول، و»يفقدون الأمل في المستقبل» نظرا لإهمال أولياء أمورهم لهم. وبينت الدراسة أن العديد من الأطفال يعجزون عن دفع سعر الوجبات المدرسية أو الإلتحاق بالنزهات المدرسية. وأوضحت ماسانوري ماتسومورا أنه علي الرغم من عدم إجراء دراسات لاحقة، إلا أنها تعتقد أن الأوضاوع قد تفاقمت في العامين الأخيرين. أما عن وضع الأسر التي ترعاها أمهات العازبات، ورغم أنهن يمثلن 4,1 في المئة من العائلات التي شملتهم الدراسة، فقد تبين أن 66 في المئة منهن يعيشن في حالة فقر نسبي، حيث يقل دخلهن عن 50 في المئة عن متوسط الدخل العائلي في اليابان. وشرحت أخصائية بإدارة الرفاهية الإجتماعية بمكتب «كيتا وارد» في طوكيو لوكالة انتر بريس سيرفس شريطة عدم الكشف عن هويتها، أن غالبية هذه الأمهات يعملن في وظائف بدوام جزئي ومتدنية الأجور، ما يترك لهن القليل فعلا من الوقت لتكريسه لأبنائهن. وأفادت أن أعدادا متنامية من أرباب العائلات وخاصة الأمهات العازبات يلجأون إلى مكتب الخدمات الأجتماعية للاستفسار عن المعونات والخدمات الاجتماعية المتاحة. وقالت أن الكثير منهم لا يعرفون شيئا عن المعونات التي يمكنهم الحصول عليها، ،ذلك بسبب عدم توعية السلطات بها بالصورة الواجبة. وكالة انتر برس سيرفس
هل يزحف الفقر على اليابان؟
نشر في: 2 مارس, 2010: 05:48 م