فريدة النقاشاقتحم ما يقرب من مائتي طالب ينتمون إلي جماعة الإخوان المسلمين مبنى كلية الآداب في جامعة الإسكندرية وهم يحملون الشوم واشتبكوا مع مسؤولي الأمن وبعض الطلاب فأصابوا ثمانية وعشرين منهم، وذلك لأن إدارة الكلية منعهتم من جمع تبرعات دون ترخيص ولابد أن هناك أيضا ممارسات عنف قام بها الأمن مستفزا الطلاب.
وقبل أيام قام معلم بضرب الطفل (سيف) المريض بالسرطان وكسر ذراعه، وأصيبت الطالبة آلاء بالاكتئاب ورفضت الذهاب إلي المدرسة لأنها تخجل من مواجهة زميلاتها إذ تعرضت للإهانة أمامهن بعد أن ضربتها مدرستها بالشلوت ولكمتها علي ظهرها وهي تسعي الآن للانتقال إلي مدرسة أخرى.وقيل إن الوزير الجديد (أحمد زكي بدر) صرح قبل أسابيع بأنه يجوز العودة للضرب في المدارس ملغيا بذلك قرارا للوزير السابق يمنع فيه الضرب في المدارس.وفي استطلاع للرأي أجرته إحدى الصحف قال تلاميذ :إنه سواء أباح وزير التعليم الضرب أم منعه فإن المدرسين يضربون التلاميذ في كل الحالات، والجديد أيضا أن بعض التلاميذ يقومون أيضا بضرب المدرسين، وكانت هناك واقعة مشهورة قبل أسابيع وصلت للمحاكم.قال الخبير التربوي (كمال مغيث) إن الطفل الذي يتعرض للضرب إما أن يتحول إلي شخصية هروبية أضعف من أن تتحمل ما يحدث أو إلى شخصية عدوانية تتبادل العداء مع المحيطين بها وتكفر بقيم العدالة وبالمجتمع عامة، ونحن نعرف هذين النموذجين الشائعين عبر وقائع متكررة.أصبح العنف إذن ظاهرة في المدارس والجامعات، ظاهرة تدق أجراس الإنذار وتقول لنا إن أجيالا جديدة مشوهة سوف تخرج إلي هذا العالم فاقدة الثقة مسكونة بفكرة الدفاع عن النفس بأي ثمن في مواجهة عالم يتفسخ ويتوحش، وذلك بعد أن جرى تدمير التقاليد الأولية البسيطة، ولم يعد المعلم أو المعلمة قدوة أو قوة دفع للرقي الاجتماعي والأخلاقي، أو رفع مستوي الأخلاق والسلوك في المحيط الذي يتحرك فيه إضافة لتوصيل المعرفة عبر الأساليب التربوية الحديثة والتي ليس من بينها الضرب قطعا.أصبحت العلاقة بين المعلمين والتلاميذ علاقة تجارية لا تربوية، علاقة قوة وسيطرة تغيب عنها الروح العامة الأخلاقية والإنسانية التي من المفترض أن التعليم والتربية يبثانها في العلاقات داخل المدرسة تمهيدا لأن تشيع هذه الروح في المجتمع بعد ذلك حين يخرج إليه التلاميذ ويسهمون في تشكيله.ويعرف التربويون جيدا هذا النقد الشامل الذي وجهه عالم التربية البرازيلي الراحل (باولو فريري) للأساليب البالية في التعليم والتربية والتي تبيح ضرب التلاميذ وإهانتهم، وأسهمت المدرسة التربوية المصرية وأستاذها الجليل (حامد عمار) في مراكمة إضافات مهمة للرؤية التقدمية للتربية كعملية متكاملة تنهض علي الحوار لا علي حشو المعلومات في عقول التلاميذ وحثهم علي الحفظ واستخدام الضرب وأشكال من العنف المعنوي حتي يثبت التلميذ أنه قادر على (تسميع) المعلومات التي جرى حشوها في رأسه دون أن يتعلم المساءلة والنقد والتحليل، وكان (فريري) ومدرسته قد دعوا لما أسموه بـ (التعليم الحواري) ناسفين قواعد التعليم (البنكي) بطابعه التجاري التسلطي القاسي.ولكن العنف في المدارس والجامعات الآن ليس ناتجا فحسب عن المناهج والأساليب التربوية القديمة، ولكنه أيضا ناتج عن العنف المعلن والمخفي الذي أخذ يستشري في العلاقات الاجتماعية بكل مستوياتها حيث سادت قيم وأفكار المنافسة غير الشريفة البقاء فيها للأقوى وهو قانون الغابة.حدث ذلك بعد نجاح العملية الجهنمية المسماةبسياسات الانفتاح الاقتصادي والتي إعادت بناء الواقع الاجتماعي وصولا لانقسامه المدمر بين أقلية غنية راكمت ثرواتها عبر السلب والنهب حيث اقترن الفساد الشامل بالسلطة السياسية وأغلبية ساحقة عاجزة عن العيش يعوق الاستبداد قدرتها على الدفاع عن حقوقها وتغيير هذا الواقع البائس.. والعنف في المدارس هو عرض جانبي لهذا الواقع الجديد.
عنف فـي المدارس
نشر في: 8 مارس, 2010: 03:58 م