الكتاب: 1492 العام الذي بدأ به عالمنا تأليف: فيليب فيرنانديز- أرميستو ترجمة: هاجر العاني كانت النية ان تكون آخر سنة من كل السنوات، فقد أعلن المتنبئون من روما الى موسكو رؤيا تنبؤية وشيكة الحدوث، ومع ذلك في عام 1492 كما يوضح المؤلف في هذا المؤلـَّــف التاريخي الرائع كان العالم يبدأ للتو،
وبمرور الايام كتب المؤلف كتاب أسفار ليس ككتب [ماركو بولو] او كتب السير [جون مانديفيل]، كتاب مليء بالأعاجيب والأحداث المثيرة وغني بالوصف وزاخر بالنوادر، ويمثل عام 1492 خلاصة وافية للمباهج، ويعتبر [فيليب فيرنانديز- أرميستو] رحالة عالمي في تجوال طويل فكري وثقافي طوال عام واحد.في عام 1492 كان في الواقع يتم تشكيل عالم في نورمبرغ، دنيا من خشب مصقول، وهي أقدم واحدة باقية من هذا النوع، ومـَـن شاهدوها عجبوا من لونها وجمالها ولكنهم فوجئوا بأمر آخر، لقد كانت صغيرة، وكان يمكن رؤية العالم المستدير وادراكه ككل، فقد كانت بحاره وقاراته جزءاً من تجمع حميمي، وكانت كل البلدان مرتبطة بوكالات منظورة او خفية.وقد جسـَّـد هذا الادراك واستجمع كل تطلعات رحـّـالة اواخر القرن الخامس عشر – الذين كانت تحكمهم بالطبع، بنظر الأوروبيين، رحلات [كولومبوس] البحرية من العالم القديم الى الجديد، ورغم ذلك كانت هناك رحلات بحرية اخرى مهمة الى الشرق حيث توجه التجار والمستكشفون بحثاً عن التوابل والحرير، ولم يتمكنوا ان يتثبتوا تماماً من الترحيب، ويشير [فيرنانديز- أرميستو] الى انه – بالنسبة لحضارات الهند والصين والاسلام – كانت أوروبا موقعاً ذا أهمية ضئيلة، فقد كانت بقعة همجية وفقيرة، وكان بلاط [هنري السابع] – اول ملك لانكلترا يزعم انه "عصري" – ليتراءى بالنسبة للصينيين أفضل قليلاً من ارض مخصصة للمعارض والاسواق، وهكذا في عام السفر هذا كان امام الأوروبيين الكثير ليتعلموه والكثير ليفوزوا به.وفي مستهل عام 1492 كانت هناك لحظة رمزية حينما تنازل المسلم الشاب ملك غرناطة لـ [فرديناند] من آراغون، وكانت تلك نهاية الدولة المسلمة الوحيدة في أوروبا وفي الـ (500) عام التالية اصبحت مرتبطة بالقارة بالكامل وبشكل طبيعي، انها واحد من الارتباطات أو التواصلات التاريخية التي يبرع [فيرنانديز-أرميستو] الى حد كبير في نقلها. ومع ذلك وعلى الرغم من الغطاء الواسع للتاريخ الذي يكشف عنه المؤلف من الواضح ان جزءاً كبيراً من العملية التي يكشف عنها يتألف من المصادفة والطوارئ الخاصين بالحدث غير المتوقع والعاقبة غير المقصودة، والتاريخ في بعض معانيه هو مجموع الخطأ البشري، كما ان هذا الكتاب هو سجل الحظ والحظ العاثر والذي فيه "يكون حدثاً عشوائياً بشكل لا يمكن اكتشافه مسؤولاً عن البدء بتغيير كبير"، وليس هناك جدال في "التقدم" او " التطور" بل جدال في عدد لا نهائي من حالات الطوارئ الحاضرة على الدوام مع ما يصفها [فيرنانديز-أرميستو] بأنها " تشنجات عشوائية" تبدو لوهلة وحسب أنها تخلق انماطاً مهمة. ماذا يمكنك ان تفعل مع هذه الفوضى سوى إظهار لحظات الجمال والدراما؟ فالمسلمون وعقب ترحيلهم من غرناطة على يد [فرديناند] استقروا في شمال افريقيا وهكذا أسسوا صلة وصل بين الامتين الاسلامية والافريقية والتي بقيت منذ ذلك الحين، ومع هذا ومرة اخرى بالتعبير التفصيلي اكثر من التعبير العام تنسجم قوة تأليف [فيرنانديز-أرميستو]، فها هي صورة قلمية موجزة من نظرته العامة لافريقيا التي تستولي على اسلوبه ونمط الاحداث:"انبهر [ابن بطوطة] بنطاق دافعي الجزية لا سيما مبعوثي أكلــَـة لحوم البشر الذين قدم لهم الـ [مانسا] فتاة من العبيد،فعادوا ليشكروه وهم ملطــَّـخون (ملوَّثون) بدماء الهـِـبة (الهدية)، التي كانوا قد التهموها للتو، ويقول [ابن بطوطة] "لحسن الحظ انهم قالوا ان التهام رجل أبيض يعدّ امراً ضاراً لانه يكون غير ناضج".كما ان الكتاب يسرد حركة دينية اخرى من اسبانيا الا انها حركة أخذت شكل التشتيت عندما تم تهجير اليهود الشرقيين في ربيع عام 1492، وقد تاهوا عبر ما كان قد اصبح بالنسبة لهم قفار أوروبا الى ان عثروا على موطن لهم في فينيسيا وفي المدن التجارية في الامبراطورية العثمانية، وقد ساعد هذا الطرد في تسريع "اندماج الامم الأوروبية وتجانسها" وهكذا وببطء يعيد [فيرنانديز- أرميستو] خلق بيئة العالم الجديد، وفي استحضاره لمسرح النفوذ هذا يستحضر شخوصاً يظهر بأن لديهم اكثر من حضور طبيعي، فعلى سبيل المثال كان لدى ايطاليا في اواخر القرن الخامس عشر صالة عرض ابطال او جبناء، فـ [سافونارولا] و[لورينزو دي ميديتشي] و[رودريغو بورغيا] والذي اصبح [البابا الكسندر السادس] يقدمون مادة للحكاية والوصف الرائع. ومع هذا يعرَّفنا الكتاب على المناطق الابعد في العالم، فايقونة من القرن الخامس عشر تتخذ كتابع لها الامبراطورية البحرية (نوفغوردو) المكونة من دولة المدينة، وقد ضم الملك [ايفان الثالث] من موسكو المدينة والامبراطورية آنذاك، حيث قال للمواطنين "انتم احرار في عمل ما يرضيكم شريطة ان تعملوا ما يرضيني"، وكانت تلك بداية الهيمنة الروسية
كيف تمّ رسم خريطة العالم؟
نشر في: 9 مارس, 2010: 04:58 م