يعد الشاعر الكبير بلند الحيدري واحدا من مربع الحداثة الشعريه في العراق والوطن العربي فقد كانت قصائدة وقصائد السياب والبياتي ونازك الملائكة تعد فتحا ومرحلة جديدة خطتها القصيدة العربية ولد الشاعر في أيلول 1926 في مدينة السليمانية، وهو يتحدر من أسرة كردية عريقة وكانت هذه الأسرة أرستقراطية معروفة بشغف أبنائها بالعلم والفن والأدب،
أصدر الشاعر ديوانه الأول «خفقة الطين» قبل ان يصدر كل من السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي ممن اعتبروا من الرواد دواوينهم الأولى، إلا أن الدراسات التي تناولت ريادة الشعر عراقياً وعربياً كانت تتجاهل اسمه لاعتبارات شتى، يقول الشاعر السوري ممدوح سكاف: «يخيل إلي أن الراحل الجديد عن دنيانا من شعراء الحداثة (بلند الحيدري) قد مات وفي قلبه غصة دقيقة أو صريحة، وحسرة مكتومة أو معلنة، قد يكون من أسبابها عدم اعتباره من قبل نقاد الشعر الحديث أو شعر التفعيلة ودارسيه الرائد الأول لهذا النوع من النهج الفني في مضمار تجديد شكل القصيدة العربية ومضمونها على الرغم من أن مجموعته الشعرية الأولى «خفقة الطين» قد صدرت في بغداد عام 1946»، وإعتقاد هؤلاء النقاد أن السبق في مسألة الريادة للسياب ونازك الملائكة، ويضيف بعضهم عبد الوهاب البياتي على قلق وإحتراز، ولكنه لا يطول «الحيدري» وهؤلاء النقاد المشار إليهم في كلام ممدوح السكاف ـ المذكور آنفا ـ للأسف الشديد كانوا يكتفون بذكر أسماء أنداد الحيدري بالرغم من أنهم كانوا أنفسهم يشيدون بدوره باعتباره الرائد الأول. ويقول السياب في هذا الصدد : «هناك شعراء أكن لهم كل تقدير وإعجاب، وعلى رأسهم بلند الحيدري الذي كان ديوانه «خفقة الطين» أول ديوان صدر من ثلاثة دواوين كانت فاتحة عهد جديد في الشعر العراقي هي «عاشقة الليل» لنازك الحريري، و«أزهار ذابلة» للسياب». ولقد دافع بلند الحيدري عن أسبقيته في الريادة للشعر الحديث، ولكن دون جدوى إذ أنه لم تتم له فرصة الجلوس في الصف الأول من قائمة النقد العربي الحديث والمعاصر، ويرى الناقد أن «خفقة الطين» للحيدري قصيدة سابقة لتجربة الحداثة.اذن يمكن القول بأن الحيدري كان بمثابة ضلع الحداثة الشعرية الرابع الذي لم يتم إنصافه. لمع اسم بلند الحيدري منذ شبابه الباكر بوصفه شاعراً وفناناً تشكيلياً، وشارك مع رفيقيه الراحلين جواد سليم وجبرا إبراهيم في تأسيس تيار فني أثر في فن من جاء بعدهم من أجيال، وانصب جل اهتمام الحيدري على تثقيف نفسه ثقافة شعرية، فأخذ يقرأ بنهم ما كانت تنشره المجلات والصحف اللبنانية، وبخاصة مجلة الأديب بين عامي (1940ـ1947من) فتأثر برمزية سعيد عقل، ورومانسية الياس أبي شبكة، كما فتن بأشعار عمر أبي ريشة ومحمد حسن إسماعيل، وراح ينسج شعره متأثراً بهذه الطائفة من الشعراء، وفي أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات الميلادية انتقل بلند الحيدري إلى بيروت ليعمل أستاذاً للغة العربية ورئيساً لتحرير مجلة «العلوم اللبنانية» ومديراً لتحرير مجلة «آفاق عربية» وبعد ذلك غادر بيروت إلى لندن وأصدر مجلة «فنون عربية» حتى عام 1982، ثم انتقل بعدها للكتابة في مجلة «المجلة» بصفة مستمرة حتى رحيله، حصل على جائزة إتحاد الكتاب اللبنانيين عام 1972، وترجم له ديوانان إلى الإنجليزية، وترجمت العديد من قصائده إلى لغات عالمية أخرى، وفي الفترة الأخيرة من حياته انتقل اهتمامه أكثر إلى المجلات السياسية، وشارك في تأسيس اتحاد الديمقراطيين العراقيين في المنفى وشغل منصب نائب الرئيس له. وقفة مع شعره: تتميز فنية «أغاني في المدينة الميتة» بالبدء بتوزيع الصوت الواحد، وهو غالباً صوت الشاعر، إلى أصوات عدة، ولكن من داخل بنية القصيدة، فهو لم يستعد بعد فنياً لأن يوزع الحدث درامياً، وإنما تعامل مع التعددية من خلال توزيعات هارمونية للصوت، وما محاولته اللعب بالضمائر إلا طريقة لتأكيد هذا الانشطار الداخلي للنص، أما هوية هذه الأصوات فقد اتخذت أسماء مثل القرية، المدينة، الليل، الفتاة... وكلها تستعير ضمير الأنا وتؤكده. وبلند الحيدري الذي عرف بانتمائه الوطني لقضايا المجتمع والثورة والتقدم، يجد نفسه أمام تناقضات لا حد لأبعادها، فوقف فنياً ـ كما وقف فكرياً ـ وديوانه «خطوات في الغربة» حمل كل هذه الوقفات. وتجدر الإشارة إلى أن فكرة العماء قد سيطرت على أجواء هذا الديوان، وتقاسمتها قصائد عدة، ويمكننا أن نقرأ صوراً منها (المصابيح المطفأة ـ الأرض الصماء كالصخرة ـ العيش بلا ظل ـ السكوت الناعب ـ البيت الغارق في الظلمة... إلخ). لقد أثار رحيل الشاعر العراقي الكبير بلند الحيدري في عام 1996 اهتمام العديد من الشعراء والكتاب والأوساط الثقافية والشعرية، ويمكننا هنا أن نورد بعض الأقوال في رحيله الموجع والمؤثر: ـ البياتي: «رائد أصيل ومهم في بداية الثورة الشعرية في العراق». ـ أدونيس: «بدءاً من هذه اللحظة سأحاول أن أنثر كل يوم
بلند الحيدري أحد رواد القصيدة الحديثة في الوطن العربي
نشر في: 10 مارس, 2010: 04:39 م