TOP

جريدة المدى > غير مصنف > بلند الحيدري.. صوت الريادة والتجديد

بلند الحيدري.. صوت الريادة والتجديد

نشر في: 10 مارس, 2010: 04:42 م

سهيل ياسينعاش غريباً في بلاده ومنفيّاً منها، مترحلاً، وحيداً، مسلوباً من كل يقين الا يقين الشعر الذي اتخذه صاحب (خطوات في الغربة) سلاحاً في مواجهة الغربة التي جاوزت اكثر من ربع قرن، بعيداً عن منفاه الاول بعد ان غادره في اوائل الستينيات ابان فترة بغداد الحرس القومي او الحقبة البعثية الأولى ليواجه بعدها بيروت وحربها الاهلية الشرسة،
خائباً تتنازعه العذابات، عائداً الى بغداد ثانية لكنه هذه المرة لم يمكث طويلاً ولم يحتمل ماحدث من تجاوزات وانتهاكات ارتكبها النظام السابق بحق الشعب العراقي، فشد الرحال لينتهي به المطاف الى آخر المنافي لندن، ويتخذ من العاصمة البريطانية منطلقاً لمشاريعه الثقافية وانجازاته الابداعية قرابة اربعة عشر عاماً ليطوي اخيراً سبعين عاماً من المعاناة والأسى وحياة حافلة بالمنافي وقصائد الوجود والقلق الانسانيين واسئلة العقل والحرية، ثم ودعنا على اثر ازمة قلبية حادة في السادس من آب عام 1996 بمستشفى برومتون بلندن، متوارياً (كما يموت النسر في منفاه، ولم تتبق غير خطوة غرسها في الرمل كي تحلم بالمياه). ريادة مغيّبة لا يقل بلند الحيدري أهمية شعرية وتاريخية عن سواه من رواد الحداثة في القصيدة العربية، اذ كان رابع الثلاثة الكبار: السياب، الملائكة، البياتي، ومن يعول اولاً في هذه الكوكبة الشعرية المجددة رغم موقعه ضمن مربع الريادة، او حجر الاساس فيه، الا انه لم يحظ بما يستحق شعره المميز وصوته المختلف من دراسة وتتبع نقدي، كما نال مجايلوه الآخرون من الرواد خطأ أوفر وقدراً كافياً من الحظوة والتتبع والتقدير، اذ غبن هذا الشاعر وغيبت ريادته، وقد مضى على رحيله اكثر من عقد ولم يحتف به او يستذكر في تقليد سنوي او يطلق مهرجاناً شعرياً او جائزة ابداعية باسمه في بلاده، في وقت كرمه المصريون والفرنسيون وغيرهم. لم ينشغل صاحب (خفقة الطين) الصادر عام 1946 والسابق لغيره من دواوين شعر الحداثة الاولى بما دار من سجالات ومعارك ادبية حول الاسبقية في الريادة وبالسؤال الممل: من سبق من؟ بل انصرف الى ما راه مهماً الا وهو التواصل في الكتابة والابداع والكشف الخلاق. سيرة الفتى الرامبوي ولد عام 1926 بمدينة السليمانية، منحدراً من عائلة عراقية كردية، وسليل اسرة ارستقراطية كبيرة، قطن اغلبها مابين اربيل والسليمانية، وبحكم عمل والده الضابط في الجيش العراقي فقد عاش بلند منذ البدء متنقلا بين هاتين المدينتين، متمرداً على اجواء العائلة ومحيطها الصارم، معلناً تشرده في سن مبكرة وهو في السادسة عشرة من عمره، اذ يقول بهذا الصدد: “لم أكن افهم ابي ولم يكن يفهمني، فتركت القصور”. وكان للشاعر حسين مردان بعض الاثر في تعزيز توجه بلند الرامبوي ونزعته التشردية في مقتبل حياته الشعرية، اذ ترك مظاهر الترف العائلي ومباهج الثراء ونام في العراء، وفي الحدائق العامة وتحت الجسور، ولم يمكث طويلاً على مقاعد الدراسة التي لم يكمل فيها تعليمه الثانوي، كما عمل كاتب عرائض امام وزارة العدل، حيث كان خاله داود الحيدري وزيراً لها وكأنه بذلك يمارس تحدياً ضد العائلة الغنية، وافتتح مقهى (جماعة الوقت الضائع) كملتقى لاصدقائه من الشعراء والادباء والفنانين المتمردين على المألوف، منهم جواد سليم ونزار سليم، وآخرون.. المثقف والسياسي مثلما عرف بلند الحيدري شاعر فهو يعد فناناً تشكيلياً وناقداً فنيّاً، من الاوائل الذين كتبوا في هذا المجال، تميز بذائقة فنية مختلفة، وعمل في الميدان الصحفي الذي يرى البعض بانه استنفد ذاته الشعرية، اذ ترأس تحرير عدد من المجلات العربية في بغداد وبيروت ولندن منها آفاق عربية، المجلة، فنون عربية، وفي اعوام تفاقم الاحداث السياسية إبان الثمانينيات وماتلاها انخرط في العمل السياسي الىجانب واجبه الثقافي، اذ انضم الى صفوف المعارضة العراقية وكوّن مع مجموعة من المثقفين تنظيماً ديمقراطياً في المنفى (اتحاد الديمقراطيين العراقيين) متصديّاً بكتاباته للعنف والارهاب وصفحات الهزائم والحروب، اذ يتكرر السؤال القديم الجديد على لسانه دوماً وهو: اين المثقف العربي؟ الذي يراه مقموعاً لايفعل شيئاً وسط محيط سلطوي قهري واستبدادي، نتيجة ثالوث القومية والحزبية والطائفية. وبعد ان خاض غمار الشعر ومعترك الحياة والسياسة التي اغنتها مدينة بيروت التي يرى فيها تجربة مهمة اثرت على موقفه السياسي وعلمته كيف يكون ديمقراطياً وان يفهم الآخر.. اذ يقول في هذا الصدد (في بيروت وقفت في ذي الابواب البعيدة، كان لكل منا أن يجد نفسه في الباب التي يريد عبورها... طريقي الى بيت يوسف الخال مفتوحاً وطريقي الى بيت حسين مروه مفتوحاً وطريقي الى بيت اودنيس مفتوحاً ومن خلال بيتنا خرجنا (مواقف). بغداد.. الحب والرماد ظل بلند الحيدري وفيّاً ومحبّاً لكل المدن والامكنة، التي تنتقل بينها وخطر في خطوات الغربة في حواريها وشوارعها وازقتها وعاش تفاصيلها، فكتب عن صنعاء وجراح بيروت وحربها التي اتت على ابنائها في قتال ضار‘ لاطائل منه، وغنى تلك المدينة المنكوبة في قصائد واشعار كثيرة، الا إن هذا الوفاء والحب يزداد لوعة اكثر فاكثر عندما يتعلق ببغداد حاضنة ابداعه الاولى ومنطلقه الكبير نحو افق الحرية والكتابة، فهو لايكف عن الحنين والاكتواء بذكراها، فقد كتب العديد

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

السوداني يعرض المساعدة على السوريين لضمان تمثيل مكونات الشعب في النظام الجديد

مقالات ذات صلة

السوداني يعرض المساعدة على السوريين لضمان تمثيل مكونات الشعب في النظام الجديد
غير مصنف

السوداني يعرض المساعدة على السوريين لضمان تمثيل مكونات الشعب في النظام الجديد

بغداد/ المدى أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مساء الأربعاء، استعداد العراق لتقديم المساعدة للسوريين، بما يضمن تمثيل جميع مكونات الشعب في النظام الجديد. جاء ذلك، خلال استقبال رئيس الوزراء، لوزير الدفاع الألماني بوريس...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram