تعد الحظيرة التي يعلو ارتفاعها 15 طابقا حيث تحتفظ وكالة الفضاء الأمريكية"ناسا" بمكوك الفضاء ضخمة للغاية لدرجة أن لها طقسها الخاص، ويمكن للسحب والأمطار أن تتكون في المبنى الذي يبلغ حجمه 39 مليون متر مكعب وهو جزء من بنية تحتية ضخمة بنيت على مدار 29 عاما لتخزين وتصليح وإطلاق مكوك الفضاء، بيد أنه في القريب العاجل سوف يتم إخلاء الكثير من هذه المنشأة حيث تحيل ناسا أسطولها العتيق من مكوكات الفضاء للتقاعد في تشرين الثاني المقبل.
وستصبح مكوك الفضاء نفسه جزءا من التاريخ كما حدث مع مركبة "أبولو" التي هبطت على القمر وأول سفينة فضاء أمريكية تدور حول الأرض، وستباع المكوكات الأربعة المتبقية لمتاحف مقابل نحو 8ر28 مليون دولار للمكوك الواحد.ويتبقى أربع رحلات إضافية أخرى بعد ما يربو على 130 مهمة مماثلة منذ عام 1981، حيث من المقرر إطلاق الرحلة المقبلة في أوائل الشهر المقبل.وأمضت مكوكات الفضاء الست ملايين الساعات في المدار حول الأرضي، مطلقة أقمار صناعية مهمة للأبحاث ومشيدة لمحطة الفضاء الدولية الضخمة والتي منحت إمكانية الوصول إلى المدار الأرضي المنخفض لست وكالات فضاء أخرى من أنحاء العالم، وتم وضع التصور لمكوكات الفضاء في عهد الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في شكل سلسلة من المركبات التي يعاد استخدامها لنقل رواد فضاء بانتظام وبأسعار رخيصة إلى الفضاء، إلا أن المكوك لم يعمل بانتظام أو بأسعار رخيصة كما تم تصوره.وتتكلف كل رحلة نحو 450 مليون دولار وشهور من التجديد والإصلاح مطلوبة بعد كل رحلة لجعل مكوك الفضاء قادرا على القيام برحلة أخرى، ولطالما كانت السلامة باعثاً مستمراً للقلق، وذلك في ظل وفاة 14 رائدا للفضاء في حادثين.ومع هذا، نجحت ناسا في جعل كثير من الناس يشعرون بانتظام رحلات الفضاء، والذين فقدوا كثيرا من الدهشة التى اصابتهم أيام رحلات الهبوط على القمر، وكان الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش قد أراد استعادة تلك الدهشة من خلال رحلة العودة إلى القمر، بيد أن البرنامج تأخر كثيرا عن الجدول الزمني المقرر له و يعاني نقصا في التمويل. وقام الرئيس باراك أوباما بإلغاء خطط العودة إلى القمر، والتي كانت تستند على مجموعة من المركبات التي تشبه الكبسولات وصواريخ معروفة باسم "برنامج كونستليشن" والذي اعتبره البعض تكرارا لبرنامج "ابولو"، ولا يوجد في الأفق أي بديل في الوقت الراهن لمكوك الفضاء.وسيجرى تشجيع الشركات بدلا من ذلك على تطوير خيارات تنظيم رحلات فضاء تجارية لنقل رواد فضاء للمحطة الدولية الفضائية. من ناحية أخرى، سوف تعتمد ناسا على برنامج الفضاء الروسي وهو البرنامج الوحيد الآخر الذي يمكنه نقل آدميين إلى الفضاء.وينصب تركيز ناسا الأساسي في الوقت الراهن على تنظيم رحلات المكوك المتبقية بصورة آمنة، حتى إذا تطلب الأمر تأجيل الرحلة الأخيرة، المقرر تنظيمها في أيلول عدة أشهر قليلة. بيد أنه بالنسبة لمئات الأشخاص الذين يتجمعون لمشاهدة انطلاق كل مكوك فضاء في السماء فوق ساحل فلوريدا، فإن الهالة التي تحيط برحلة فضاء بشرية لم تخفت بعد. وبالنسبة لموظفي ناسا ومقاوليها الذي يعملون على المكوك فإن إتمام عملية إطلاق تستغرق ملايين الساعات من العمل. و في مجرد جزء صغير من عملية الإعداد لكل رحلة، فإن المئات من المتعاقدين يمضون الأسابيع في تفحص كل قطعة من درع المكوك الحراري عن كثب بحثا عن أي علامات تلف ويستبدلون تلك التي تحتاج إلى تغيير.واستخدم عمال أدوات لدراسة قطع القرميد الفسيفساء الرمادية والفضية الموجودة في باطن مكوك الفضاء "انديفور" قبل رحلته الأخيرة ويكررون العملية لكل مهمة، ويتعين على الزائرين تنقية أحذيتهم من أي غبار أو قطع لاصقة ويفرغون جيوبهم لتجنب إحضار أي شيء يمكن أن يضر بالمكوك.وأصبح هؤلاء الذين ارتبطوا بالمكوك بمثابة أسرة، ليس فقط بينهم وبين بعضهم ولكن أيضاً مع المكوك والذي يدوم بصورة أكبر من معظم سيارات العائلة، ويبلغ عمر أحدث مكوك 18 عاماً بينما يبلغ أقدمها 29 عاماً.وقال لينباتش: "عندما فقدنا كولومبيا كان الأمر بمثابة فقدان أحد أفراد العائلة تقريباً، كان تقريبا بمثل هذا العمق"، ولم يتضح بعد مصير آلاف العمال بعد إنهاء برنامج مكوك الفضاء - سوف يتم تحويل بعضهم إلى برامج أخرى في ناسا، بيد أنه في ظل إلغاء خطط "كونستيليشن" فإنه من المقرر أن يفقد أيضاً كثير من هؤلاء وظائفهم.وذرف مدير ناسا، تشارلي بولدن، الدموع خلال إدلائه بشهادته أمام الكونجرس الشهر الماضي بشأن شطب وظائف تتعلق بنهاية حقبة مكوك الفضاء.وقال بولدن "ولداى يبلغان من العمر 38 عاماً و33 عاما وأنهيا دراستهما، لذا لا أعلم ماذا سيشعر الآن مهندس شاب لديه ابن في الخامسة عشر من العمر، لكن أعلم أنهم سيتالمون".