القاضي قاسم حسن العبودي(1-2)كم كان ونستون تشرشل مصيباً عندما قال ( إن الديمقراطية هي أقل أنظمة الحكم سوءاً )! ولا أدري إن كان قال هذا الكلام قبل خسارة حزبه الانتخابات عام 1946 أم بعدها، وقد ظن أنه فائز لا محالة، خاصة وقد خرج منتصراً من أكبر حرب كونية عام1945 ،
لكن الشعب الانكليزي أعطى درساً لكل القادة والسياسين من خلال تشرشل أنه في مجتمع ديمقراطي ليس هناك قائد ضرورة او شخص لا يمكن تعويضه ، إنما هناك مؤسسات حاكمة عتيدة قادرة على الاستمرار والبقاء. إن الديمقراطية الغربية استطاعت - من خلال الانتخاب واستمراره كوسيلة لتداول السلطة سلمياً من إرساء قواعد احترام الرأي المغاير والمعارضة السلمية حتى شاع القول المشهور: ( ballot Instead of bullet - اسحب بطاقة بدلاً من رصاصة)، ولكن الديمقراطية في مفهومها التقليدي (حكم الشعب) لا تكاد تجد لها مصداقاً حقيقياً حتى في ظل الدول الرائدة ديمقراطياً.وسنقف في كل محطة من محطات هذا البحث لنتساءل عن مدى تحقيق أي أنموذج انتخابي للارادة الشعبية..القيود التي ترد على الاقتراع العامولا اقصد هنا القيود التنظيمية التي ترد على الناخبين والمرشحين، وهي عادةً ما تكون منطقية ومتماشية مع مفهوم الارادة مثل (السن، الاهلية ،العقلية، والادبية)، ولكن اقصد تلك القيود التي يفرضها النظام السياسي عندما يكون اكثر أنانيةً وحرصاً على الاحتفاظ بالسلطة، والتي من شأنها حرمان قطاعات شعبية واسعة من التأثير في القرار السياسي كـ(النصاب المالي، الكفاءة، الجنس) .وقد استطاعت الطبقة البرجوازية المهيمنة على الجمعية التأسيسية الفرنسية عام 1791 أن توظف أفكار مونتسكيو وخاصة مفهوم سيادة الامة وكونها منفصلة عن سيادة الشعب وفكرة أن الانتخاب وظيفة وليست حقاً، وتم تقسيم المواطنين الى موطنين ايجابيين ومواطنين سلبيين، وتقييد الانتخاب باعتماد نصاب مالي هو مقدار ما يمتلك الفرد من اموال او ما يدفع من ضرائب كشرط للاقتراع، وقد فسروا ارتباط الانسان بالوطن ارتباطاً مادياً ، كما ان شرط الكفاءة العلمية قد استثمر في الولايات الامريكية لإبعاد المواطنين السود من المشاركة السياسية ومن حق الاقتراع حيث كان أغلبهم من الأميين.وقد حرمت المرأة من التصويت في أوروبا عقوداً طويلة من الزمن ولم تستطع المشاركة في الانتخابات الا في وقت مبكر من القرن العشرين، ولم يسمح لها في الولايات المتحدة الامريكية من الاقتراع الا بعد تعديل الدستور الاتحادي عام 1920م .وقد اتخذت الماركسية من القيود المذكورة مبرراً لرفض النموذج الغربي للديمقراطية لأنه صمم لمصلحة القوى الرأسمالية كونها وحدها تمتلك وسائل الانتاج والمال والمؤسسات الاعلامية التي تؤهلها للاحتفاظ بالسلطة وحرمان الطبقات العاملة من المشاركة في صنع القرار السياسي ، لذلك كان لابدّ، حسب النظرية الماركسية، أن يتم استبعاد هذا النموذج في تداول السلطة وحصر السلطة بيد الطبقة العاملة وهو مايسمى بدكتاتورية البروليتارية، الى ان يتم القضاء على الطبقة الرأسمالية و العودة الى الانتخاب..إلا إن هذه الدكتاتورية استمرت الى حين سقوط الانظمة الماركسية وتراجع الفكر الماركسي في العالم دون ان تشهد تحول حقيقياً الى الديمقراطية.rnالقيود التي ترد لمصلحة الاقتراع العاموبالعكس من القيود التي تقيد الاقتراع العام هناك قيود ترد لمصلحة الاقتراع العام ومن شأنها ان تعزز الارادة الشعبية ، ومنها؛ ضمان تمثيل عادل للمرأة وللأقليات، وقد حرصت بعض الدساتير على ايراد ذلك في متن الوثيقة الدستورية المادة الثلاثون والمادة 49 من الدستور؛(تنتخب الجمعية الوطنية طبقا لقانون الانتخابات وقانون الاحزاب السياسية. ويستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة للنساء لا تقل عن الربع من اعضاء الجمعية الوطنية. وتحقيق تمثيل عادل لجماعات العراق كافة وبضمنها التركمان والكلدوآشوريين والآخرون).(يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه).وتاكيداً لهذه النصوص تم ايرادها في قانوني انتخاب الجمعية الوطنية 96 لسنة 2004 وقانون انتخابات مجلس النواب رقم 16 لسنة 2005 ، بل ان حرص المشرع هذا ادى الى زيادة تمثيل المرأة الى الثلث تقريباً:( يجب ان يكون اسم امرأة واحدة على الاقل ضمن اسماء اول ثلاث مرشحين في القائمة , كما يجب ان يكون ضمن اسماء اول ست مرشحين على القائمة اسماء امرأتين على الاقل , وهكذا دواليك حتى نهاية القائمة ) . ( يجب أن تكون امرأة واحدة على الأقل ضمن أول ثلاثة مرشحين في القائمة، كما يجب أن تكون ضمن أول ستة مرشحين في القائمة امرأتان على الأقل، وهكذا حتى نهاية القائمة).بينما كان اختيار القائمة المغلقة مع الدائرة الواحدة ضمان لحصول الاقليات على تمثيل عادل داخل الهيئة التشريعية يتناسب مع حجمها الحقيقي .وتعالج بعض الدساتير والقوانين الانتخابية قضية الاقليات والمرأة عن طريق حجز مقاعد مسبقة يجعلها بمنأى عن المنافسة.rnضمانات الاقتراع العام في المواثيق الدوليةالانتخابات
الإطار القانوني للانتخاب.. وأثره فـي الإرادة الشعبية
نشر في: 10 مارس, 2010: 04:49 م