د. صدام فهد الاسدي انطلقت من لسانه تلك القدحات((صرت أكثر إيمانا بأن اترك العائلة ولّذ لي التشرد مع حسين مردان))من هنا بدأت رحلة التشرد وعصفت به هموم الغربة واختار هذا الطريق مسرحا ,فالمقاهي والشوارع والوقوف امام الصحف محطات استراحته خاصة القصص الزهيدة الثمن ولم ينه زواجه من السيدة دلال المفتي تلك المأساة عام 1952
ولاضحكات ولده البكر(عمر)حتى تشظت منابعه الفكرية تنطلق من(المعري شاعرا كبيرا,ذاك الشاعر الذي ألقى خطيئته على أبيه(هذا جناه علي أبي))وعائلة الفنان العراقي الكبير جواد سليم,ثم سفره إلى لبنان فرنسا مدة أربعة عشر عاما,متأثرا بالشاعر اللبناني الكبير الياس آبي شبكة وخاصة قصيدته شمشون,حتى أصبحت حياته قصة حولها الأديب الرائع جبرا إلى رواية عنوانها (صيادون في شارع ضيق)والشاعر الحيدري لم يكمل دراسته ولكنه تفوق على المبدعين بموهبته الرائدة حتى شيد مجده الشعري بثماني مجموعات شعرية تستحق الوقوف عندها(خفقة الطين1946م-أغاني المدينة الميتة1951-جئتم مع الفجر1960-خطوات في الغربة1965-رحلة الحروف الصفر1968-أغاني الحارس المتعب1971-حوار عبر الأبعاد 1972-إلى بيروت1985-أبواب إلى البيت الضيق1989)زد على ذلك معرفته ثلاث لغات(الكردية-التركية-الإنجليزية)وعل العائلة كانت الجذر الذي دفعه للحرمان واختيار طريق العزلة لهذا اعترف بعظمة لسانه(اخترت التشرد)ولكنه خاض ميدان الأدب وكسب ثقافة راقية فهو القائل(إن العصر عصر ثقافة لامكان للمهرجين فيه)وحط رحال يومه في مقهى ألواق واق وقرأ أمام الفحول السياب-نازك-حسين مردان-الحصيري أكثر قصائده وقد أثار إعجاب الشاعر الكبير الدكتور إبراهيم الوائلي,وأصبح بلند واحدا من بين الفجرين الثورة ضد القصيدة التقليدية حتى إن السياب اعد مجموعته خفاقة الطين بداية الحركة وسماها(فاتحة عهد جديد للشعر العراقي)ولم يتوقف مع الشعر بل اعد مؤلفاته الثلاثة(إشارات على الطريق-زمن لكل الأزمنة-مداخل إلى الشعر العراقي وهذا التقديم ينقلنا إلى فن بلند فان مجاميعه تعد نظرات عراقية متباعة الخطوات فهو شاعر يحمل الألقاب التي وضعناها نحن ولا يريدها الحيدري فهو شاعر رومانسي وسريالي وواقعي وفوضوي ولم يقف في طريق مسدود,والسؤال: هل بكى الحيدري على فردوسه المفقود؟ترى ما لفردوس الحيدري؟؟انه مدينته التي غادرها وهو يمشي على بركان الألم قائلا: ((قلقا أسير مع الوجود كأنني امشي بأيامي على بركان وهجرت صبحي وهو مؤتلق السنا أعمى يكفنه دجى الحرمان حتى تعودت الحياة سحابة سوداء ألقت رحلها بجناني))من هنا بدأ رحلة الغربة الطويلة يرفض إنسانيته قائلا: (أنا إنسان كباقي الناس لكن///ويح نفسي أي إنسان تراني ليس لي ماض ومالي غير يوم //يرسم العمر على سود أغاني)وظل وحيدا يكفن سعادته الغائبة بالظلام ووجد الموت خلاصا (ياطيوف الفناء هذي حياتي//دمريها فقد سئمت الو جودا))لذلك حفر في داخله قلقا وسخر المرأة محطة لغضبه حتى سمير اميس لم تخلص من هجومه واصفا المرأة رمزا للاثم وقد أخرجت ادم الأب من الجنة((يا أخت حواء التي ادم باع جنان الخلد من اجلها))وظل وجوديا يحمل شعاره((إن الإنسان مقذوف في هذا العالم وحيدا))كل هذه الرؤى جعلته باحثا عن فردوس الحلم ولكن أين وكيف؟؟((سأموت لا ماض يحن لرؤيتي//يوما ولاخل سيدرك ما اعي))واغرق ذاته في وجودية محرقة حتى كاد الصوت تقاسمه الأنفاس((أنت مدان يا هذا//وسمعت خطاه ورائي//طق طق طق))وقد ضيع بالأمس القرية وجاء بخطى الوحدة الى المدينة((يهتز فانوس عتيق فيهز قريتنا الضنينة ماذا سأفعل في المدينة؟؟ستضيع خطواتك الغبية في شوارعها الكثيرة//ولسوف تسحقك الازقات الضريرة)وأصبحت المدينة سرا لضياعه وسرا لنجاح موهبته ولقائه بالشعراء الفحول واتخذ قرارا جديدا((لالن أعود/وقريتي أمس مدينة/تلك المدينة التي كره حارسها الليلي((الم تنم؟يا الحارس الحزين؟متى تنام؟ فالنوم عند الحارس الحزين//يظل مثل حافة السكين))وحرم على نفسه النوم وأحب السهر كثيرا((أنام ولم تزل تحرق كل لحظة برلين؟يسرق كل ساعة سور من الصين يولد بين لحظة ولحظة تنين))هذه انقلابية بلند صرخة ضد الواقع العسير؟فماذا يقول اليوم لو رأى العراق محترقا بالضياع والجهل؟؟ حتى صرخ رافضا اسمه((ما اسمك؟لم اعرف لي اسما,لااذكر ما اسمي؟فلقد ماتت أمي وأنا لم أولد بعد بمعنى في اسم,لم اعرف من كانت لي اما؟قتلت أبي,قتلت أباك؟؟؟))هكذا علت صرخات بلند مستغربا وحشة هذا الزمن وبلغت تداعيات جروحه الى حد كبير ,ولكن بالرغم من هذا كله ظل الحيدري نجما عراقيا تغرد قصائده في سماوات الابداع.
بلند الحيدري والبحث عن فردوسه المفقود
نشر في: 10 مارس, 2010: 04:57 م