ما جرى في قضية السيد سنان الشبيبي، يصلح نموذجاً لتجسيد حالة الفوضى والجهل التي تسيطر على صناعة القرار في العراق.
قرار الإقالة صدر عن مجلس الوزراء ضاربا عرض الحائط بكل الاعتراضات التي تقول ان البنك المركزي هيئة مستقلة لا يجوز عزل محافظها إلا بقرار يصدر من تحت قبة البرلمان، ثم تبين أن القرار طبخ بالاتفاق مع السيد أسامة النجيفي، ثم في غمضة عين تم إصدار قرار قضائي باعتقال سنان الشبيبي والتهمة لم تكن سرقة أموال البنك وتوزيعه على أقاربه ومحبيه، ولا في تبذير الاحتياطي النقدي، وانما جريمته حسبما كشف لنا نائب رئيس الوزراء في لقاء اجرته معه قناة الحرة هي "الإفراط في الاستقلالية" فالسيد المطلك يعتقد انه لا يليق بمسؤول بدرجة محافظ البنك المركزي أن يصر على استقلالية البنك، وان لا يعقد جلسة سمر ليخبر السياسيين بحجم الأموال الموجودة، وان الشبيبي لم يترك الفرصة للمطلك وغيره من ساستنا الاشاوس في ان تتمتع عيونهم بما خف حمله وغلا ثمنه.
في كل مرة اسمع تصريحا للمطلك أصاب بالأسى الا التصريح "المفرط" فقد انتابتني بسببه موجة من الضحك الهستيري، فالرجل مصر على أن لا يتوقف عن إطلاق الجمل الغريبة حول الديمقراطية والعملية السياسية، وهي جمل الغرض منها خداع الناس بكلام ناري ثم يفاجأ الجميع ان الذين حسبناهم اسودا في مواجهة الفساد والتحزب الطائفي، نفاجأ بأنهم ليسوا أكثر من نعامات تخفي رؤوسها في الرمال ولا تخرجها إلا عندما يأمر زعماء الطوائف، يدعون أن حياتهم مكرسة من اجل حقوق الإنسان، وان النوم يجافي عيونهم حتى تتوقف الانتهاكات وتشرق شمس الحرية والعدالة الاجتماعية، ويزداد سطوع النزاهة والشفافية، ثم نكتشف أن كل ما يهمهم في الحياة هو الحصول على الكرسي وما يتبعه من امتيازات ومقاولات ومشاريع، يطلقون غازات ثقيلة من الخطب والشعارات والبيانات التي تملأ هواء السياسة بالتسمم وكان آخرها البيان الذي أصدره مكتب أسامة النجيفي والذي أخبرنا فيه ان السيد رئيس البرلمان اكتشف مشكوراً ان هناك شبهة فساد في عمل الشبيبي، وعليه لابد ان يقدم للمحاكمة ليدفع ثمن عناده وإصراره على الاحتفاظ بالاحتياطي النقدي ولم، يسلمه للحكومة كي تقدمه عيديات لعدد من الأحباب والمقربين، ولاننا لانزال نعيش فصل الفنتازيا السياسية فقد اخبرني زميل ممن حظوا بلقاء رئيس الوزراء ضمن وفد ضم محللين سياسيين وأكاديميين، ان رئيس الوزراء وبعد ان استمع الى حديث البعض منهم حول الشبيبي وسمعته الدولية وكفاءته في مجال اختصاصه قال لهم بالحرف الواحد: "اي كفاءة تتحدثون عنها وقد رفض ان يمول مشروع البنى التحتية من الاحتياطي النقدي" ويضيف الزميل الذي اثق بصدقه من ان المالكي انتفض وهو يقول: شنو شراح يصير اذا الاحتياطي صار خمسة وعشرين مليار مو سبعة وستين".
وأظن أن هذا الكلام لا يصدر إلا عن مسؤول يعشق الكوميديا ويمارسها، على أساس أن قليلا من الفكاهة يُصلح الحالة النفسية للعراقيين.
وأنا اقرأ واسمع هذه التصريحات تمنيت لو ان هؤلاء الساسة الذين فشلوا في ادارة البلاد خلال السنوات الماضية، ان يغادروا المشهد، ففراق بمعروف احسن، وربما يغفر لهم ما اقترفوه من ذنوب لا تحصى بحق العراقيين،
واعتقد ومعي ملايين العراقيين إن هناك عشرات الأسباب التي تدعوهم إلى التفكير في الجلوس في بيوتهم وتجعلهم يحكمون ما تبقى من ضمائرهم ويسألون أنفسهم عن حقيقة الدور الذي لعبوه في خراب هذه البلاد وسيجدون انه اشرف وأكرم لهم لو أنهم تواروا عن الأنظار.
ذكرني حديث المطلك عن "الافراط في الاستقلالية" بما قاله العام الماضي وفي مثل هذه الايام ايضا، ومن على قناة الحرة حين استضافه الزميل سعدون ضمد في برنامج حوار خاص فقد اعتقد المطلك ان الديمقراطية لعبة جلبتها أمريكا معها وارادت بها ان تشغل أوقات الناس.. حين سأله المقدم عن رؤيته لمستقبل العراق بعد الانسحاب الامريكي قال وهو يبتسم: "بعد خروج الأمريكان، ستسقط الديمقراطية لأن من صاغها وحماها هم الأمريكيون".
والان عزيزي القارئ وأنت تقرأ هذه المقولات الفلسفية لاقطاب السياسة في العراق، هل تعتبر ما يجري اليوم كوميديا أو تراجيديا؟ طبعا الأمر في النهاية متروك لصناع الدراما السياسية، أما انا وانت، فليس أمامنا سوى خيارين لا ثالث لهما، أن أو نبكي او ننتحر ضحكا.
حكومة "الافراط" لابد ان تكره الشبيبي
[post-views]
نشر في: 4 نوفمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 2
hamza
this is noori the prime minister theory about economy , he is no better than hussain kamil . infact hussain kamil is better than noori. the iraqi government is mahzala and math7aka ya naas . ya iraqeen your central bank is going to be stolen . go and buy
كامل الكناني
الافراط بالاستقلالية تكون انحرافا وتمردا وليس نكتة لان الاستقلالية هي الوسط المعقول اما ما قاله المالكي في جلسة الاكاديميين فليس نكتة مضحكة بل كلام رصين اثار استغراب الجميع بما فيهم من نقل لك المعلومة مغلوطة او انت حرفتها لان الشبيبي كان يمتنع عن اطلاع ال