علي مندلاويينتشر الجدري في المدينة، فيغطي الطفح الاحمر وجه الطفل عثمان الذي ينجو من المرض، لكنه يدفع نظره ثمنا لحياة سترفعه لاحقا الى قمم لم يبلغها غيره في عصره! انه الملا عثمان الموصلي (1854) الذي احتفى به العراق من خلال مهرجان استمر ثلاثة ايام،
أقيم بالتعاون بين وزارتي الثقافة في الحكومة الفيدرالية العراقية وحكومة إقليم كردستان. وكان مهرجانا مماثلا نظم خلال العام الماضي للاحتفاء برائد المقام العراقى «القبانجي» في مدينة السليمانية الكردستانية. تضمن المهرجان، برنامجا مزدحما بالندوات التي القت الضوء على حياة الفنان وتراثه، وجلسات دراسية تطبيقية لطريقته في العلاج بالموسيقى الصوفية، خاصة انه المؤسس للمدرسة المولوية للانشاد الديني، بالاضافة الى حفلات غنائية وموسيقية لفرق غنائية وبيوت مقام، وقراء ذكر، ومطربين من بغداد والموصل ومدن كردستان. وكان اللافت في برنامج الافتتاح الذي ضم معرضا للصور الفوتوغرافية والآلات الموسيقية وكلمات منظمي المهرجان، ذلك الاستعراض الغنائى المسرحي لحياة وأعمال الموصلي، والذي اخرجه الفنان رياض شهيد. تحدثت المسرحية عن اجتياح الجدري لمدينة الموصل بعد سنوات قليلة من ولادة ملا عثمان، ثم إصابته بالمرض، وتسببه له بالعمى الابدي. المسرحية تتبعت الخطى العنيدة للفتى الضرير وسعيه للعلم والمعرفة، فتراه يترك الموصل لينحدر جنوبا صوب بغداد، ويتتلمذ على يد شيخ قراء المقام في ذلك الوقت «شيلتاغ»، وينتقل بعدها الى دراسة فنون الايقاعات والاوزان والعزف على الآلات الموسيقية، ويعود ملا عثمان الى الموصل، ليستمر في نشاطه الدؤوب في تلقي العلوم والاداب. كانت شهرة الموصلي قد اتسعت في ذلك الوقت، لذلك يرسله والي المدينة موفدا منه الى السلطان عبد الحميد الذي يستقبله بحفاوة بالغة، ويجعله من خواصه، ثم يبعثه سفيرا يدعو لاستمرار حكمه في بلاد العرب. تسبق شهرة الملا عثمان وصوله الى القاهرة، فيسعى للتتلمذ على يديه عبده الحامولي وسيد درويش. وهنا سلطت المسرحية الضوء على خبايا على درجة كبيرة من الاهمية، وكان هذا مبعث دهشة الجمهور وحبوره، فهو الذي لحن اغنية «زوروني كل سنة مرة» التي تنسب منذ وقت طويل لسيد درويش، بينما هي في الاصل للموصلي، وكانت تغنى للرسول الكريم بعبارة «زوروا قبر الحبيب مرة» والحان شهيرة اخرى مثل: «طلعت يا محلى نورها» و«آه يا حلو يا مسليني» اضافة الى موشحات رددها مؤدون آخرون خلال العقود الاخيرة مثل موشح «هب الصب» و«الغصن الريان» و«الليالي عطرت احلامنا». أما الحان الملا عثمان التي أداها العراقيون بلهجتهم والتي نسبت الى الفولكلور الشعبي فهي كثيرة ايضا، ومن اشهرها تلك التي أداها ناظم الغزالى «يم العيون السود». اصدر الموصلي خلال اقامته في القاهرة مجلة باسم «المعارف» وعندما حل في الشام لقب بالشيخ الجليل عثمان، وكان مثار اعجاب الصفوة من الادباء والفقهاء والفنانين. اتقن الفارسية والتركية الى جانب العربية، وكتب الشعر وكان اديبا مفوها الى جانب مهاراته في الموسيقى والتلحين.
مسرحية تؤكد أن الأغنية نسبت إلى سيد درويش جورا
نشر في: 12 مارس, 2010: 06:50 م